الكاتب أ . خيرية الحارثي
فضل يوم الجمعة :
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والحمد لله الذي بيده ملكوت السموات والأرض ، وله الحمد في الآخرة والأولى ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العلا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى
على آله وأصحابه ومن بهداهم إهتدى وسلم تسليما..
فإن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار بيده ملكوت السموات والأرض يفضل بعض الأعمال على بعض ويفضل بعض الأزمان على بعض ويفضل بعض الأماكن على بعض ويفضل بعض الأمم على بعض ويفضل بعض الأشخاص على بعض { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
فأمة محمد
سلم إنما فضلهم الله بما أدخره لهم من فضل هذا اليوم يوم الجمعة..
فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله
على آله وسلم أنه قال: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد "، وفي لفظ مسلم : "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا؛ فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة ".
وفي المسند والسنن من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي
على آله وسلم أنه قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم تبلغني" ، وعند مسلم : "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة " فهو أعظم مجامع المسلمين بعد يوم عرفة.
خصائص يوم الجمعة :
فلهذا اليوم خصائص شرعية وخصائص كونية :
فمن خصائصه الكونية :
أنه اليوم الذي تم فيه خلق السموات والأرض ؛ فقد خلق الله السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة .
ومن خصائصه الكونية ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
سلم قال: " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة " . ففي هذا اليوم إبتداء هذا الكون المشاهد وإنتهاءه .
ومن خصائصه الكونية أن جعل الله تعالى فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل حراما .
وأرجى ساعات للإجابة :
ساعة من حين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنتهي الصلاة لما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله قال: سمعت النبي
سلم يقول : " هي ما بين أن يجلس إلى أن تقضى الصلاة " .
وكذلك آخر ساعة بعد العصر حتى تغرب الشمس لما رواه أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :أن النبي
سلم قال: " إلتمسوها آخر ساعة بعد العصر ".
أما خصائص هذا اليوم الشرعية :
فمنها قراءة سورة الم تنزيل (السجدة) ، فيقرأ في الركعة الأولى من صلاة الفجر في هذا اليوم سورة الم تنزيل (السجدة) ، وفي الركعة الثانية { هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ }(الانسان: من الآية1) كاملتين لا يفرقهما ولا يفعل كما يفعل بعض الناس فيقرأ إحداهما ويختمها بين الركعتين فإن هذا خلاف السنة!
النبي
سلم كان يقرأ في الركعة الأولى ( الم ) السجدة كاملة وفي الركعة الثانية{هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ }(الانسان: من الآية1) .
أما في صلاة الجمعة فإنه يقرأ في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الركعة الثانية سورة المنافقين ، أو في الأولى { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }(الأعلى:1) وفى الثانية { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } (الغاشية:1) هذا هو الأفضل وإن قرأ سوى ذلك فلا حرج .
ومن خصائص هذا اليوم الشرعية أن يغتسل فيه لصلاة الجمعة ، وغسل الجمعة سنة مؤكدة للرجال ؛ لقول النبي
سلم : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " ، وأن يستاك ويتطيب .
وقوله
سلم : " من راح إلى الجمعة فليغتسل " ، في أحاديث أخرى كثيرة ، وليس بواجب الوجوب الذي يأثم من تركه ، ولكنه واجب بمعنى : أنه متأكد ؛ لهذا الحديث الصحيح ، ولقوله
سلم : " من توضأ يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام " ، وقوله
سلم : " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل " .
وبذلك يعلم أن قوله
سلم : " واجب " ليس معناه الفرضية ، وإنما هو بمعنى : المتأكد ، كما تقول العرب في لغتها : حقك علي واجب ، والمعنى : متأكد ، جمعا بين الأحاديث الواردة في ذلك ؛ لأن القاعدة الشرعية في الجمع بين الأحاديث : تفسير بعضها ببعض إذا اختلفت ألفاظها ؛ لأن كلام الرسول
سلم يصدق بعضه بعضا ، ويفسر بعضه بعضا ، وهكذا كلام الله عز وجل في كتابه العظيم يصدق بعضه بعضا ، ويفسر بعضه بعضا .
ومن اغتسل عن الجنابة يوم الجمعة كفاه ذلك عن غسل الجمعة ، والأفضل أن ينوي بهما جميعا حين الغسل .
ولا يحصل الغسل المسنون يوم الجمعة إلا إذا كان بعد طلوع الفجر . والأفضل أن يكون غسله عند توجهه إلى صلاة الجمعة ؛ لأن ذلك أكمل في النشاط والنظافة .[ انظر مسألة غسل الجمعة في مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز ، المجلد العاشر ، كتاب الطهارة ]
ومن خصائص يوم الجمعة :إكثار الصلاة على النبي
سلم ، قال
سلم: " إذا كان يوم الجمعة و ليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علي " حسنه الألباني في صحيح الجامع .
ولقوله
سلم : " أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة ؛ فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته " صححه الألباني في صحيح الجامع .
ومن خصائص يوم الجمعة :. تلاوة سورة الكهف ؛ لقوله
سلم: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ؛ أضاء له النور ما بين الجمعتين " حسنه الألباني في مشكاة المصابيح ح/2175.
ومن خصائصه أن لا يخص يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام وأما من لم يخصه بذلك فصام يوما قبله أو يوما بعده أو كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ولا يحصل له الصيام إلا يوم الجمعة فصامه فلا بأس بذلك وقد رأى النبي
سلم جويرية بنت الحارث صائمة يوم الجمعة فقال :" أصمت أمس؟ " قالت : لا. قال : " أتصومين غدا ؟ "قالت : لا .
قال: " فأفطري ".
ومع كل هذا الفضل العظيم يقابل بعض الناس هذا اليوم بالغفلة !!
ساهون لا يقيمون لهذا اليوم وزناً، ولا يحسبون له حساباً، ولا يعرفون إلا أنه يوم فراغ ونزهة ولهو، بل إن بعضهم ليجترئ على الله فيه، ويأتي من المعاصي مالا يأتيه في غيره
قومٌ غافلون، متهاونون، كأنه لم يطرق آذانهم الوعيد الشديد، فلم يعرفوا لهذا اليوم حقه، ولم يكترثوا بفضله:
يقول عليه الصلاة والسلام وهو قائمٌ على أعواد منبره: "لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمع والجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين ".
وفئة يأتون إلى الصلاة وهم في فتورٍ وملل!!
وما علموا أن منتظر الصلاة كالمرابط في سبيل الله، ، والملائكة تستغفر له ما دام في مصلاه.
فليعرف المسلم لهذا اليوم فضله، ويعطيه حقه، ويتقرب إلى الله بما يستطيع من العبادات المشروعة ، رغبة في الخير، والتماساً لفضل الله ورحمته ..
يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [الجمعة:9-11].