من بين جدرانك خرج الأولاد ولم يرجعوا ...
هل جربت يوما أن تجلس وحدك وتحدّث الظلام أو تداعب الحائط المغبرّ وسط أصوات الصراصير المزعج، وتتذكر أيامك السابقة وحياتك التي مضت.. ثم تنظر إلى الباب الخشبي أمامك، وتقول لنفسك «ليت أحدا يطرق هذا الباب ويدخل علي!!» ولكن من دون فائدة.. لتعود في نهاية الأمر إلى فراشك المتآكل وتحدق مرة أخرى في الظلام تنتظر يوما آخر من الوحدة؟ اقرأ معي هذا التحقيق لتتعرف على أمهات وآباء يعيشون وحيدين في المنزل، ينتظرون واحدا من أبنائهم الذين أفنوا حياتهم في خدمتهم وتربيتهم ورعايتهم لعلهم يقومون بزيارتهم ولو للحظة واحدة.. ولكن من دون فائدة! إنها حقا سنوات الظلام في حياة هؤلاء الكبار.توقفت عند الباب الخارجي للمنزل أنظر إليه طويلا لأن صديقي قال إنهم كانوا يسمون هذا المنزل «القصر» عندما كانوا صغارا لجماله وروعته
كان الظلام يلف المنزل مع أننا كنا قبيل المغرب، والغبار يعلو كل شيء فيه. طرقنا الباب فلم يجبنا أحد، فعلمنا أن الخادمة على فرض وجودها غير متواجدة، دخلنا الصالة الكبيرة التي كان يبدو واضحا عليها القدم ثم عرجنا ناحية اليمين بعد أن سمعنا صوت التلفزيون.. كان الصوت يخرج من غرفة في جانب الصالة. طرقنا الباب الخشبي فسمعنا صوتا خفيفا بدا عليه الإرهاق والسكون والهدوء إلى أبعد الحدود والفرح في الوقت نفسه «من.. حصة؟»إسم أحد بناتها ضنا منها أتت لزيارتها ؟ " مازالت في ‘حلامها " دخلت زوجتي وصديقتها وبقيت في الصالة احتراما لحرمة السيدة وخصوصيتها، بعد دقائق قليلة دعتني زوجتي للدخول.. لا أريد أن أصف منظر الغرفة والعجوز.. والوحدة التي كانت تعيشها
سألتها عن أبنائها، فكأنني أعدتها مع سؤالي إلى الوراء عشرين سنة، كان جوابها كافيا لأعرف مدى المعاناة التي كانت تشعر بها، قالت لي كلمتين فقط «آآه.. أولادي؟».
أعدت عليها السؤال لأنني أريد أن أكتب شيئا من كلامها، فقالت إن آخر مرة شاهدت واحدا منهم قبل سنتين. صرخنا جميعا بصوت واحد «ماذا؟! سنتان» هل يمكن أن يترك أحد والدته العجوز سنتين لوحدها من دون أن يسأل عنها، إنها مأساة إنسانية، هذه المرأة تحتاج من يرعاها ويهتم بشؤونها، بعد أن بلغت هذه السن.
لم أغص في آلام كلماتها طويلا حيث أخرجتني منها بقولها «أذكر زارتني حصة قبل سنتين ..إنها ستذهب لتأتي بها، دخلت علي الخدامة ولكنني لم أر حصة منذ ذلك الوقت».
أدارت العجوز ظهرها لنا واستدارت على الكنبة الرمادية التي تجلس عليها، وخرجت من الغرفة دون أي تردد، لأنها غرقت في دموعها التي يبدو أنها جفت من كثرة بكائها، وتركت مهمة تهدئتها لزوجتي وصديقتها. وعلمت بعد ذلك انها قالت لهما «لا أدري لماذا لا يأتي أبنائي لزيارتي.. كنت بارة بهم إلى أبعد الحدود
أغلقت باب البيت.. فشعرت وكأنني أغلق غلاف كتاب عليها، لتعود مرة أخرى إلى الظلام الذي أصبح أنيسها الوحيد بعد حياة حافلة بالعطاء والحنان ....
لا أملك ولا أستطيع أن أضيف أي حرف ؟