لما كان النظر من أهم المنافذ إلى القلب، ولما كان إطلاقه بغير قيد ولا ضابط قد يوقع الهوى في قلب صاحبه، ويجعله يقع في شَرَك الفواحش والفتن، فقد أمر الله بغض البصر حتى يأمن العبد عواقب السوء:
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدما على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر كما قيل:
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والعبد ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والنبي
سلم يأمرك بغض بصرك:
فقد ثبت عنه
سلم أنه قال:" اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".
بل جعل النبي
سلم غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم:
" إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها. فقال: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
ـ وقد وجد النبي
سلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه
سلم فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.
وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال:
وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.