طالعتنا جريدة المدينة السعودية في عددها الصادر في الثالث من شهرصفر1427ه , بعنوان (سامي يوسف: غناء عن الإسلام والرسول بموسيقى البوب).
وليس الجديد في الأمر هو الثناء على المغنين أو تصديرهم كنجوم أو قدوات لشباب الأمة فقد تعودنا على مثله وأمثاله من جرائدنا العربية العتيقة. وقنواتنا الفضائية[1] . ولكن أن يورد الموقف بلا تعليق ولا تعقيب, وكأن الأمر لا يمس الدعوة الإسلامية بقليل ولا كثير. فالجريدة مررت الأمر بما قد يفهم البعض منه أن الموسيقى وسيلة للدعوة, وهو ما وقع فعلا , فقد جادلني بعض الأقارب, وبعض الطلاب في قاعة الدرس, في جدوى الموسيقى التي تصاحبها معاني سامية كالحديث عن الدين أو الرسول-
سلم-, فهي بديل عن الغناء الساقط في مضامينه, كما لها أثر في تقريب غير المسلمين إلى الإسلام , وأن ما يحسنه الشخص فليدعو به وينبغي علينا ألا نحجر واسعا.هذا قولهم .
وقبل الجواب عن ما يقال من تبريرات ومغالطات, أود أن أشير إلى أن الرجل صاحب هدف وهو ما عبر عنه بقوله: (الروحانية مفقودة في الغالبية العظمى .. المناخ التجاري هيمن على عالم الفن ..) فجاء ليقدم رسالة إيجابية ويروج من خلال الموسيقى للقيم الجيدة. فنقول: كم من مريد للخير لم يصبه, والنية الحسنة لا تشفع لصاحبها ما لم ينضبط سعيه بالهدي النبوي. فالمقرر عند علماء السلف من المتقدمين والمتأخرين أن الإخلاص في العمل سواء كان قولا أو عملا أو اعتقادا , والمتابعة للنبي-
سلم , هما شرط صحة يترتب عليهما القبول والرد. فميزان انضباط الباطن حديث عمر بن الخطاب في الصحيحين:{إنما الأعمال بالنيات}, وميزان انضباط الظاهر حديث عائشة عند مسلم:{من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد }. قال العلامة حافظ الحكمي- رحمه الله-:
والدعوة إلى الله تعالى من أجل القربات, وأسمى الطاعات, ولا يمكن أن تكون الوسيلة المحرمة مبررة بناء على ما يترتب عليها من ثمرات, لأنا متعبدون بالأمر والنهي, ولسنا متعبدين بالثمرات, فالنبي يأت يوم القيامة وليس معه أحد, فما ظنكم و تلك الوسيلة ملغاة شرعا[2]. فكيف نتعبد بما نهينا عنه!؟.
الغناء المصحوب بآلات محرمة أتفق العلما ء على تحريمه, وقد حكى الاتفاق جمع من الأئمة كالابن الجوزي, وابن الصلاح والقرطبي, وابن تيمية, وابن القيم, وابن باز والعثيمين والألباني وغيرهم كثير من قبل ومن بعد. ولا فرق بين ما صحب بآلة فكانت مضامينه حسنة أو سيئة, فعِلَّة المنع قائمة وهي اقترانه بالآلة الموسيقية[3]. وقد سئل شيخ الإسلام - رحمه الله- عن جماعة يجتمعون على فعل الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر.. ثم إن شيخا من المشايخ المعروفين بالصلاح واتباع السنة قصد منع هؤلاء مما يقعون فيه, فلم يتمكن إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون عليه وهو بدف بلا صلاصل, مع غناء المغني بشعر مباح بغير شبابة, فلما فعل تاب منهم جماعة, وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات, ويؤدي المفروضات, ويجتنب المحرمات, فهل يباح مثل فعل الشيخ على تلك الحال, لما يترتب عليه من المصالح ؟ مع أنه لا يمكن دعوتهم بغيره؟
فأجاب شيخ الإسلام- رحمه الله- جوابا متينا[4], وانظر كيف يعالج العلماء الربانيين الجزئيات في ضوء الكليات, ويربطون بين فروع الشريعة وأصولها, فقد ربط الجواب بأصل عظيم جامع وهو الاعتصام بالكتاب والسنة, ويمكن تلخيص كلامه- رحمه الله- على شكل نقاط:
1) أن الله تعالى بعث محمدا-
سلم- بالهدى, ودين الحق, ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيدا. وأنه أكمل له ولأمته الدين. كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)المائدة:3.
2) أن الله تعالى أمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعث به-
سلم- كما قال تعالى: (...وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر..) النساء:59 .
3) من المعلوم أنما يهدي الله به الضالين, ويرشد به الغاوين, ويتوب به على العاصين, لابد أن يكون فيما بعث الله به الرسول-
سلم- من الكتاب والسنة, وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول-
سلم- لا يكفي لكان دين الله ناقصا محتاجا تتمة.
4) العمل المشتمل على مصلحة ومفسدة, إن غلبت مصلحته على مفسدته فإنه يكون مشروعا, لأن الشارع حكيم عليم. وإن غلبت مفسدته على مصلحته أو تساوتا المصلحة والمفسدة لم يشرع. ومثل شيخ الإسلام بالخمر والميسر, فيهما منافع لكن لما غلبت المفسدة حرمهما الله تعالى .
5) ما يراه الناس من الأعمال مقربا إلى الله, ولم يشرعه الله ورسوله, فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه. وإلا فلو كان نفعه أعظم, وكان غالبا على ضرره لم يهمله الشارع.
6) لا يجوز أن يقال: إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه-
سلم- ما يتوب به العصاة, فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من هو شر من هؤلاء, بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار, ومن تبعهم بإحسان- وهم خير أولياء الله المتقين, من أمة محمد-
سلم- قد تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية, لا بالطرق البدعية.
فيتبين أن استعمال الوسائل المحرمة كالموسيقى وغيرها, في الدعوة إلى الله, أوفي تحبيب الخير إلي الناس أو تبغيض الشر إليهم , هو أمر لا يجوز لسببين :
الأول: لأن المعازف محرمة أصلا, سواء كانت الكلمات حسنة أو سيئة.
الثاني: أن استعمالها في الدعوة تقرب إلى الله بما لم يشرع. والله أعلم.
--------------------------------------------[1] ففي قناة الجزيرة أجرى أحمد منصور في برنامجه الشهير(بلاحدود) لقاء مع سامي يوسف, واستعرض معه ألوان العزف على الآلات الفربية والشرقية. والله المستعان.
[2] وسائل الدعوة منها ما شهد له الشرع بالاعتبار, ومنها ما شهد له الشرع بالإلغاء, ومنها ما سكت عنه فهو محل اجتهاد ونظر وفق القواعد والضوابط الشرعية.
[3] ولمعرفة أدلة التحريم من الكتاب والسنة وأقوال العلماء أحيل القارئ الكريم على كتاب(تحريم آلات الطرب) للشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الألباني- رحمه الله-.
[4] انظر جوابه في مجموع الفتاوى: (11/620- 635), وهو جواب جدير بالمطالعة والتأ مل, ولا يغني عنه التلخيص, لعظيم نفعه.