ما
سمعته بالأمس من صحفي فرنسي لا علاقة له بالنازية وليس معاديا للسامية ولا
يتقاضى أجرا من أية سفارة أو حزب أو منظمة عربية ، ينطبق عليه القول عن
الكلام الذي قل ودل..

قال ان اسرائيل تبرهن للمرة الألف أنها ليست جديرة بأن تكون دولة ، ولا
تؤتمن على أي سلاح في حوزتها ، فهي لا تزال حركة اكثر منها دولة ،
وأدبياتها ومعجمها من زمن آخر لا علاقة له بهذا الزمن ، فهي ليست أمينة
حتى على الاطفال اليهود. واضاف بأن العشرة آلاف يهودي الذين تظاهروا في تل
ابيب ضد المؤسسة العسكرية يدافعون عن أحفادهم اكثر مما يدافعون عن العرب ،
لأنهم يدركون بأن الجنرالات المصابين بالسّعار يزجونهم الى مستقبل ملغوم.

لم أفاجأ بما سمعته من هذا الصحفي ، فثمة مؤرخون ومفكرون وشعراء منهم يهود
سبقوه الى مثل هذا التشخيص وبالتالي التحذير وقرع الجرس أمام الطرشان.

قالها اسرائيل شاحاك قبل موته ورأى في كل ما يقترفه الجنرالات من جرائم
توريطا لليهود ، وكررها بورغ الذي كان رئيسا للكنيست ، ثم عوقب بقرار شارك
فيه الحاخام والجنرال والقرصان وهو حرمانه من الدفن في ارض اسرائيل.

ان ما يسمى الان افراطا في استخدام القوة رغم ميوعة التعبير لا يليق به
الا ما يمارسه العرب من تفريط ، وهذا التفريط لم يبدأ بالأمس في غزة ، لقد
بدأ مع الصمت عن اول مستوطنة في فلسطين ومع أول طبل قرع لتهويد القدس
وتأبيد احتلالها.

واذا ما تحالف افراط العدو مع تفريط الشقيق فان الدراما تكون قد شارفت على نهايتها الحزينة.

ان اسرائيل الان تجرب كل ما في جعبتها من السلاح في مساحة تكتظ بمليون
ونصف مليون فلسطيني وتعلن حربا من البحر والجو واليابسة تفترض في الآخر
المعتدى عليه دولة ذات جيش عرمرم واسلحة هجومية ودفاعية ، طائرات تعربد
وتسحق البشر والشجر والحجر بلا مصدات ، ودبابات قد تحترق منها واحدة أو
عشرة أو عشرون لكنها بعدد الجنود ، وانحياز سياسي جائر من مجتمع دولي فقد
رشده ، واصبح كالمضبوع الذي تقتاده اسرائيل الى المغارة وهو يناديها: يا
أبي..

لقد تساءلنا ذات يوم عن معنى الافراط في استخدام القوة.. هل هو استخدام
المنجنيق لمن كان يملكه ضد من لم يملكه؟ هل هو السّيف لمن لا درع له؟

دعونا من هذا السّجال الذي قضم أيامنا كما يقضم الحمار جزرة ، فالاهم من
الافراط هو التفريط ، وقد يبدأ الصّمت واللامبالاة ثم ينتهي الى الانتحار
على طريقة القط الذي يلحس مبردا..

ان من يستخدم كل ما في حوزته من سلاح ضد طفل ليس جديرا بدولة ، ومن لا يؤتمن حتى على مستقبل شعبه هو قرصان أو عصابة.

ان ما تفعله اسرائيل الان بنا وبلحمنا وبأعصابنا وبكرامتنا وآدميتنا سيورط كل يهودي بعشرة آلاف «شنفرى» عربي ولو بعد ألف عام،



خيري منصور كاتب ومحلل سياسي اردني