المضحيةُ (ليلى
بنت أبي حثمة)
عرفت حقيقة
الإسلام وعظمته، فضحَّت من أجله بكل غالٍ ونفيس. فقد أسلمت وجهها للَّه، وبايعت
النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاجرت مع زوجها إلى أرض الحبشة الهجرتين الأولى
والثانية.
عَنْ أُمّ
عَبْدِ اللّهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ ، قَالَتْ وَاَللّهِ إنّا لَنَتَرَحّلُ إلَى
أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بَعْضِ حَاجَاتِنَا ، إذْ
أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، حَتّى وَقَفَ عَلَيّ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ -
قَالَتْ وَكُنّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذًى لَنَا ، وَشِدّةً عَلَيْنَا -
قَالَتْ فَقَالَ: إنّهُ لَلِانْطِلَاقُ يَا أُمّ عَبْدِ اللّهِ . قَالَتْ فَقُلْت
: نَعَمْ وَاَللّهِ لَنَخْرُجَنّ فِي أَرْضِ اللّهِ آذَيْتُمُونَا
وَقَهَرْتُمُونَا ، حَتّى يَجْعَلَ اللّهُ مَخْرَجًا . قَالَتْ فَقَالَ صَحِبَكُمْ
اللّهُ وَرَأَيْت لَهُ رِقّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا ، ثُمّ انْصَرَفَ وَقَدْ
أَحْزَنَهُ - فِيمَا أَرَى - خُرُوجُنَا . قَالَتْ فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ
تِلْكَ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ لَوْ رَأَيْت عُمَرَ آنِفًا
وَرِقّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا قَالَ أَطَمِعْت فِي إسْلَامِهِ ؟ قَالَتْ قُلْت
: نَعَمْ قَالَ فَلَا يُسْلِمُ الّذِي رَأَيْت ، حَتّى يُسْلِمَ حِمَارُ
الْخَطّابِ قَالَتْ يَأْسًا مِنْهُ لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ
وَقَسْوَتِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ . [ابن هشام 1 / 342]!
لكن الله
-سبحانه وتعالى- يهدى من يشاء من عباده إلى الإسلام ونوره. وينتزعهم من شِراك
الظلمة والكفر، وأسلم عمر بن الخطاب وأصبح يغار على الإسلام والمسلمين وكرَّس
حياته فى خدمة هذا الدين.
وعن ليلى بنت
أبي حثمة ، قالت : لما اجتمعوا على الخروج جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه وهو يريد الخروج الليلة فإذا رقدوا ، قال
عامر بن ربيعة : فنحن ننتظره ولا نغلق بابا دونه فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن
عمير فبات عندنا وظل يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللا ووعدناه فلحقه فيه
وأدركناه فاصطحبناه قال : وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا وكان مصعب بن
عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ولقد رأيت رجليه يقطران دما من الرقة فرأيت عامرا
خلع حذاءه فأعطاه حتى انتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها
جاءت من مور فتكارينا إلى مور ثم تكارينا (الكراء : أجرة المستأجر) من مور إلى
الحبشة ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده
وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينارا " الآحاد والمثاني(3067 )
وعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ دَعَتْنِى أُمِّى يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِى بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَمَا أَرَدْتِ أَنْ
تُعْطِيهِ ».قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- « أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ
كِذْبَةٌ » سنن أبى داود(4993 ) حسن.
وهكذا كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه، ولاسيما أمام الأطفال؛ لكي تنشأ عندهم
الأخلاق الإسلامية السامية، فأعطى للمرأة درسًا فى معاملة أولادها بالصدق، وهكذا
كانت نموذجًا للمسلمة الصادقة مع أولادها.
إنها ليلى بنت
أبي حثْمَة بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد اللَّه سيدة من نساء الإسلام الخالدات
اللاتى تحملن من أجله كل مكروه كى ترتفع رايته، ويسعد بظله كل إنسان على ظهر الأرض
لما فيه من نجاة وسعادة، فقد هاجرت ليلى مع زوجها تاركةً دارها ومالها وبلدها،
وفضلت ما عند اللَّه على ما عند البشر