وجماعها العلم .. فإن تعلمه جهاد .. وتعليمه دعوة .. والمرء فيما بين التعلم والتعليم متعبدٌ لله ..
ثم إنه لا يكون جهاد إلا بعلم .. لا بالسيف ولا بالقلم ..
ألم ترَ إلى قول الله تعالى : " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ... " فخاطبه بالنبوة إذِ النبوةُ أعلى درجات العلم ..
وكذلك الدعوة .. لا تكون إلا بعلم .. ولا تكون إلا إلى علم ..
ألم ترَ إلى قول الله تعالى "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ... "
فمن لا يعلم كيف يدعو ؟! .. بل إلى أي شيء يدعو ؟!! ..
والعبادة لا تختلف عن ذلك .. وانظر و تفكر في قول الله تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون .. الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءً وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ... "
فإنه – سبحانه – لما أمرهم بالعبادة عرفهم بالمعبود .. ومعرفة المعبود تكون بالتعرف على آثاره ونعمه وعظيم منته على عابديه .. ثم ختم الآية بقوله " ... ولا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون" لأنكم إن فعلتم ذلك صرتم كمن لا يعلم .. إذ إن عدم الانتفاع بمادة العلم هو عين الجهل ..
ثم إن العبادة مفتقرة – أشد الافتقار – إلى العلم من جهتين : جهةِ العلم بالمعبود .. وجهةِ كيفية العبادة ..
فإذا فقدتِ العبادة العلمَ بالمعبود أفضت – في الغالب – إلى الشرك .. وإذا فقدتِ العلم بكيفية العبادة أفضت – في الغالب – إلى البدعة .. وكلا الأمرين مفسد للعبادة من أصلها ..
فإذا عرفتَ – يا موفق – هذا .. عرفتَ أن العلم جامع لكل خير .. مانع من كل شر .. ولا يكون هذا إلا إذا كان محصورا بحدين : الإخلاصِ في أوله .. والتوفيق في آخرِه . .