حلق اللحية لاستخراج جواز السفر
السـؤال:
هل يجوز حلق اللحية لاستخراج جواز السفر؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإن أمكن استخراجُ الجواز من غير الوقوع في محظورِ حلق اللحية بتحويل محلِّ الإقامة من غير تزويرٍ، ويكفي لجوازه التعريض، ففي التعريض مندوحة عن الكذب، فقد ذكر الإمام النوويُّ في «الأذكار» نقلاً عن أهل العلم أنهم ضَبَطوا بابَ التعريض جمعًا بين الآثار المبيحة وغير المبيحة له على الوجه التالي: «إِنَّ دَعَتْ إلى ذلك مصلحةٌ راجحةٌ على خداع المخاطَب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلاَّ الكذب فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيءٌ من ذلك فهو مكروهٌ، وليس بحرام إلاَّ أن يتوصَّل به إلى أخذ باطل أو دفع حقٍّ فيصير حينئذ حرامًا»(١- «الأذكار للنووي» (338) باب التعريض والتورية)، أو بعدم الوقوع في محظور حلق اللحية وذلك بإزالتها على الصورة عن طريق جهاز «سكانير»، وقَبولها من الإدارة، أو بإعطاء مالٍ مُصانعةً لاستخراجه، محافظةً على السُّنَّة الواجبة، فلا مجال لحلقها ولا لتقصيرها، والمحافظةُ على الدِّين بدفع المال يكون إثم الرشوة فيها على الآخذ لا على المعطي، وقد روى أهل الحديث أنَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لَمَّا كان بالحبشة رشا بدينارين، وقال: «إنّما الإثم على القابض دون الدافع»(٢- «تفسير القرطبي»: (6/184))، وهو مرويٌّ عن جماعةٍ من التابعين كما ذكر القرطبيُّ روايةً عن وَهْبِ بن مُنَبِّه أنَّه قيل له: الرشوة حرامٌ في كلِّ شيٍء؛ فقال: لا، إنَّما يُكره من الرشوة أن ترشي لتعطى وليس لك، أو تدفع حقًّا قد لزمك، فأمَّا أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام، قال أبو الليث السمرقندي الفقيه: وبهذا نأخذ أن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة»(٣- «تفسير القرطبي»: (6/183))؛ ذلك لأنَّ الرشوة المحرَّمة من جانبين إذا كانت المصانعة بالمال لإحقاق باطلٍ أو لإبطال حقٍّ، أمَّا لإحقاق حقٍّ أو لإبطال باطلٍ فهي محرَّمَةٌ على الآخذ دون المعطي، وفي هذا السياق ذكر ابن تيمية قاعدةً مُهمَّة وهي: «إنَّ التحريم في حقِّ الآدميّين إذا كان من أحد الجانبين لم يثبت في الجانب الآخر» وقد أورد لها جملةً من الأمثلة(٤- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (29/258)).
أمَّا إذا تعذَّرت كُلُّ هذه السُّبُل وكانت الحاجة ماسَّةً إليه تتوقَّف عليها حياته الشخصية أو المالية كأسباب صِحِّية أو مالية أو عِرضية، فإنَّه -والحال هذه- تقدَّر مفسدتها مع مفسدة حلق اللحية كشعارٍ للمسلم السُّنِّي، ويقدّم أهون الضررين وأخفّ المفسدتين، أمَّا إذا كان استعمال الجواز للمباحات من غير حاجة فالواجب ترك المباح للواجب حال التعارض بينهما، لقوله صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكَ لَن تَدَعَ شَيئًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ أَبدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ»(٥- أخرجه أحمد: (23776)، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (1/61)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في:19 رجب 1426ﻫ
الموافق ﻟ: 24 أوت 2005م
١- «الأذكار للنووي» (338) باب التعريض والتورية.
٢- «تفسير القرطبي»: (6/184).
٣- «تفسير القرطبي»: (6/183).
٤- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (29/258).
٥- أخرجه أحمد: (23776)، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (1/61).
١- انظر الفتوى رقم 643: «في ضوابط قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»
شيخ : أبو عبد المعزِّ محمَّد علي بن بوزيد بن علي فركوس القُبِّي