الزمن الجميل والخسارة الحقيقية .. ؟؟
أاصبح البكاء على الزمن الماضي عبثيا في أحيان كثيرة، فكل شيء في الماضي كان جميلا في نظر الناس، وحاضرا في أحاديث السمر، فهل الأمس كان جميلا كله بحق؟
وهل اليوم كله نكد وحزن وضيق؟
أسئلة تبدو الإجابة عنها من البعض جاهزة، أو معدة سلفا، وهي أن الأمس أجمل بكل ما فيه، وواقع الأمر اننا نستحضر من الأمس الأمور التي نحبها ولم تعد، وتنحصر هذه الأمور في العلاقات الاجتماعية بكل أبعادها: علاقات الصداقة، والجيران، والأهل، والحب. أما باقي مناحي الحياة من تطور ورفاهية، فلا أحد يريد العودة الى تلك الحياة البسيطة التي كنا نعيشها.
الحديث عن الزمن الماضي باعتباره الزمن الجميل، هو الهروب إذن من واقع يحزننا، واشتياق في غير محله الى أمر مضى، كما نشتاق الى أيام الدراسة وصحبة المدرسة، ونشتاق اشتياقا عبثيا الى رجال ونساء كانوا في حياتنا الحكمة والحنان والنصيحة، وغادروا ذات موت، فالزمن الجميل هو ما نكون عليه في كل عصر، ونعيش جماله، ونتقن الحياة به، وندمن الحب فيه لكل شيء يستحق الحب.
الخسارة الحقيقية
ليست هناك خسارة في المطلق إلا خسارة البشر، وما عدا ذلك تكون خسارة نسبية.. خسارة المال متوقعة، خسارة المنصب متوقعة، خسارة البيت والحبيبة والصديق كلها أمور متوقعة، والحزن عليها يتوقف على رؤية كل إنسان لهذه الخسارة. فمنا من يكبر حزنه حتى يغرق فيه، ومنا من يكتفي بقول "حسبي الله ونعم الوكيل".
وأغلب هذه الأحزان تصيب عموم الناس، فلا تميز بين لون أو جنس أو بلد.
ولكن، هناك خسارة خاصة بفئات المجتمع، فخسارة الشاعر أو الكاتب أن لا يرى عصارة فكره فوق أرفف المكتبات، وأن تكون أحلامه حبيسة أحاديثه، وألا يلون الأرصفة بالفرح, وخسارة الشاعر ألا يستشعر خلود قصائده بعد رحيله, ولكل فنان خسارته الخاصة،
حين يدخل الوطن مزادا بين أفراده، وتصبح نعمة الولاء له من الأمور الصغيرة القابلة للمساومة، وتكون خسارة الوطن كبيرة في أبنائه إذا خانوا أمنه، وتنكروا لماضيه بكل قسوته وطيبه، وحين تصبح الثقافة بابا يدخله المثقف ليقترح شبابيك أخرى على عقائد ومذاهب وأديان لم يسمع بها الوطن من قبل.
الخسارة الحقيقة هي خسارة الوطن ابناءه،
وخسارة الأبناء أوطانهم، وما عدا ذلك، كلها خسارات قابلة للتعويض، ويمكن إحتمالها.
هنا نبكي نقول الأمس
كانت عنده المتعة
ونستوصي له الذكرى
ونشعل حوله الشمعة
ونعرف أنه قد غاب
يوما ما له رجعة
*****
هنا نبكي وإن اليوم
يغدو في غد أمسا
لذا فلنزرع الأيام
في أحلامنا غرسا
هي الأحزان ترصدنا
وتجعل أمسنا درسا