في الحظيرة التي يملكها عمي الكبير في السن، الكثير من الأغنام والدجاج والأرانب وقليلٌ من البقر..
وجدتُهُ ذات يومٍ مستلقياً على ظهره تحت ظل أحد جدران حظيرته المكتظة بأصوات ماشيته وطيوره.. اقتربتُ منه ..
"كيف تستطيع الاسترخاء بالقرب من هذا المكان المزدحم بهذه الروائح النتنة والمكتظ بهذه الأصوات المزعجة" (خاطبتُهُ مازحاً)..
عمي الذي يحبني جداً لم يتردد في أن يجيبني بابتسامة سخرية ونظرة احتجاج وكأنني أجرمتُ في حق عالمه الذي يعشقه
حتى الثمالة ويدافع عن طهارته حد الموت "رائحة المواشي أجدها أزكى من رائحة الورود والرياحين التي تزرعونها في منازلكم
وتجهدون أنفسكم في سقيها والاعتناء بها" (خاطبني عمي بشيء من السخط).. وضعتُ يدي على كتفه وأنا أهمس له محاولاً
تلطيف الجو "أعلم ذلك يا عمي.. ليتك تهديني شيئاً منها.. فأنا أيضاً أحب الحيوانات وأتلذذ بالقرب منها.. أتظن أنك أنت الوحيد
الغارق في هذا العشق؟!".. قلتُ له ذلك وأنا أعيد الذاكرة في سجل عمي الصحي.. تذكرتُ أن عمي رغم تجاوزه السبعين
من عمره إلا أنه لم يعرف يوماً طريق المستشفيات ولم تعرف معدته أبداً طعم الحبوب والمسكنات.. حينها أدركتُ أن الهدوء
الذي يلف غرفنا المغمورة بالسكون والإضاءات الخافتة لا تعني بأي حال الاستقرار والصفاء الذهني وليست سبيلاً للراحة النفسية..
التفتُّ إلى عمي لأجده قد استسلم للنوم غيرُ آبهٍ بي وما يدور في ذهني من تساؤلات...