عندما تقول مرحبا لصديق...هل
تقصد حقّا أنك تُرحّب به وتسعد برؤيته، أم أنه مجرد لفظ ناتج عن إحتكاك
الهواء بالأحبال الصوتية في حنجرتك؟...
وعندما تقول لفرد أو لجماعة: السلام عليكم...هل تحمل في قلبك وراء هذه
التحية نية إفشاء السلام للناس والمُسلم من سلم الناس من لسانه ويده...أم
أنها مجرد منعكس شرطي بافلوفي تعّودت نفسك عليه كلمّا قابلت إنسانا؟؟...
للأسف...أغلبنا يستعمل الكلام لمجرد الكلام...وليس لغرضه الحقيقي...وهو التعبير عن الشعور.
فالكلام يبقى كلاما إذا لم يُعبّر عن شعور حقيقي...والتحية والسلام
والترحاب والتهنئة والمديح...لا يتجاوز كونَه أصواتا ميتة جامدة...إذا لم
يكُن وراءها شعور يضيئ طريقها من باطن النفس...
الإنسانية كائنُ إجتماع...والإجتماع إتصال...والإتصال مبادلات مشاعرية بين الناس...
مبادلات؟...
ألا تذكركم هذه الكلمة بشيئ مألوف؟...
التجارة ؟...
نعم التجارة...
التجارة مبادلات بالأموال والبضائع والخدمات...والإتصال مبادلات بالمشاعر...
الأموال في التجارة يُعبّر عنها بأوراق ذات قِيم إفتراضية تسمى
الصكوك...والمشاعر في الإتصال يُعبّر عنها بأصوات ذات معاني متفق عليها
تسمى الكلمات...
إذن فالكلمات للمشاعر كالصكوك للأموال...إتفقنا؟...
تصوروا معي لو أن أحدهم قال لك كلمة لا مشاعر قلبية حقيقية تقف وراءها...هل
يحقُّ لك أن ترفع ضده قضية لدى محكمة الصدق والصراحة؟... طبعا...
وإذا سلّم لك شريكٌ صكا بقيمة معيّنة، ثم اكتشفت بأن الصك بلا رصيييييد...ستشكوه صح؟...
لا فرق إذن طالما كان إصدار صكوك بلا رصيد جريمة يُعاقب عليها
القانون...وكان إصدار كلمات بلامشاعر جريمة يُعاقب عليها الضمير...فلنكن
صادقين ولنسعى لتبرئة صحيفة إجتماعنا الإنساني مع إخوتنا من جريمة الكلمة
الجافة من المشاعر،
ودُمتم صادقين.