نكمـل بإذن الله
أوّلا: أن المستثمر خاصّة في السوق القائمة على الأوراق الماليّة والبورصة
لا يوظّف أمواله إلا بشرطين: الأوّل توفّر الأمان
وثانيا إمكانية الربح.
فمنذ الحرب العالمية الأولى وحتى 11/أيلول كانت الولايات المتّحدة هي
المكان الأكثر أمانا واستقرار في
العالم ممّا جعلها مركزا دوليا لاستقطاب
رؤوس الأموال الأجنبيّة فعل سبيل المثال بلغت مشتريات الأسهم الأمريكيّة من
قبل
المستثمرين الأجانب عام 2000 فقط في هذا المجال 192،7 مليار دولار،
ولكن بعد 11/أيلول فقدت أمريكا عامل الأمان
وبالتالي أثّر هذا تأثيرا كبيرا
على نفسية المستثمرين ولجأ جزء كبير منهم إلى نقل استثماراته إلى أوروبا
وبالتالي فقد الاقتصاد
الأمريكي أحد أهم دعاماته وتمويله.
ثانيا: من المعلوم أن الدولار الأمريكي لا دعم حقيقي له يوازي قيمته، فهو
يستمدّ قيمته من مستوى وحجم الطلب عليه، وبما
أنّ العمليات العسكريّة
الأمريكيّة في جميع أنحاء العالم يتم تمويلها عبر الدولار، فإنّ الفشل
الأمريكي في القضاء على القاعدة
والمقاومة العراقيّة أثر بشكل سلبي جدّا
على سمعة الدولار وقيمته.
ثالثا: العجز التجاري الأمريكي تجاه معظم الدول الصناعيّة المتطوّرة والذي
أصبح يتزايد ويشكّل عبئا على الوضع
الاقتصادي الأمريكي وبالتالي على الديون
الأمريكية، ففي العام 2001 بلغ العجز التجاري لصالح الصين بـ84 مليار
دولار، ولصالح اليابان بـ68 مليار دولار ولصالح الاتّحاد الأوروبي بـ60
مليار دولار.
رابعا: لقد تحوّل الاقتصاد الأمريكي من أكبر منتج في العالم منذ ما قبل
الحرب العالمية الأولى (44,5% من الإنتاج
العالمي) إلى أكبر مستهلك حاليا
مع انخفاض إنتاجه ليساوي تقريبا إنتاج اليابان التي تفوقها الولايات
المتّحدة بأشواط في
الموارد والقدرات، ولذلك أصبحت أمريكا بحاجة إلى أموال
نقدية مباشرة لتمويل مستورداتها ومشترياتها الاستهلاكيّة، وهو
الأمر الذي
ضغط على الاقتصاد وزاد من المديونيّة.
خامسا: إن ارتفاع أسعار النفط بهذا الشكل سيعمّق الأزمة الاقتصادية
الأمريكيّة وسيؤدي إلى ارتفاع في كلفة الانتاج في
أمريكا وبالتالي إلى ركود
اقتصادي نتيجة عدم التمكن من تصدير الإنتاج بأسعار منافسة في ظل وجود منتج
كبير ورخيص
يجتاح العالم وهو "الصين" (بلغ إجمالي تجارة الصين مع الولايات
المتحدة في التسعة أشهر الأولى من هذا العام
122.228 مليار دولار أمريكي
حسب تقرير أوردته الهيئة العامة للجمارك الصينية ونقله موقع وكالة الأنباء
الصينية على
الانترنت، بزيادة 34.4 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي،
منها الصادرات 88.506 مليار دولار أمريكي بزيادة
34.4 بالمئة والواردات
33.722 مليار دولار أمريكي بزيادة 34.7 بالمئة) .
ففي ظل هذا الوضع المتدهور ومعالجة للأزمة، قامت الولايات المتّحدة
الأمريكية بتخفيض قيمة الدولار الذي فقد حوالي
40% من قيمته تجاه بعض
العملات حتى الآن، على أمل أن يساعد ذلك على تحريك عملية التصدير للتخفيف
من الركود
الاقتصادي الداخلي وتحقيق الانتعاش الاقتصادي ولدفع المستثمرين
إلى الاستثمار بالدولار الأمريكي وللحد من الآثار السلبية
لارتفاع أسعار
النفط بشكل هائل، إلا أن هذه السياسة في تخفيض العملة خطيرة جدا وحساسة ولا
تنفع إلا في فترات قصيرة،
وقد تؤدي إلى انفلات زمام التحكّم بالاقتصاد
وإلى انهيار قيمة العملة نهائيا خاصّة في ظل وجود عملة بديلة تكمن في
اليورو،
وهو الأمر الذي لم يكن موجودا إثر الأزمة الاقتصادية العالمية في
الستينات وأوائل السبعينات عندما هرع الجميع بمن فيهم
الأوروبيون إلى دعم
الدولار الأمريكي خوفت من انهياره وذلك لارتباط عملاتهم واحتياطيّاتهم به،
ولكن في هذه المرّة وإن
حصل الانهيار الاقتصادي، فلن تساعد الصدف الولايات
المتحدة الأمريكية كما كانت تفعل من قبل، خاصّة في ظل التقارير
الدوليّة
التي تفيد أن أكثر من نصف البنوك المركزيّة العالميّة قد حوّلت بالفعل
احتياطيّاتها من الدولار إلى اليورو.
فهل سيؤدّي التدهور الاقتصادي إلى انهيار الإمبراطورية؟
يتبع بإذن الله -2-