ماذا لو استيقظنا يوما
فوجدنا انه ، في الحقيقة ، لدينا عينان… ماذا لو ارتنا تلك العينان
الحقيقة و فقط الحقيقة لا غير… هل ستصارحنا الحقيقة بقبحها ام بجمالها…
بواقع نرفضه او ماض نفر منه… ماذا لو اكتشفنا ان الانسان الذي لازمنا منذ
ولادتنا ليس هو الذي نراه وقتها… هل سندرك عندها اننا لا ندرك وجودنا… هل
سنرى انفسنا وقد تجردنا من انسانيتنا … بل و اصبحنا ماكينات موقوتة … ليس
منا الانسان في شيء… هل سنرى اننا ضعنا بين ازمات الطرق و مكاتب العمل … و
نسينا كيف نعيش … بل لماذا نحيا… هل سنرى بأن روحنا ماتت و جفَت و اضحى
ماؤها غورا و بأن اللحظات التي نحياها هي التي باتت تسرق وقتنا لا نحن من
نسرقها لنحيا… هل سنعي اننا كحياتنا اصبحنا مجرد سلع يتاجر بها … وبأن
الماديَات البحتة اصبحت منهجا لحياتنا… وطريقنا … لحياة سمَيناها “سعيدة” …
هل سنذكر اي معنى لمشاعرنا… ان احسسنا بها يوما؟
هل سنرى قلوبنا وقد قست … فلا عدنا نعرف لنا ابا ولا اما ولا اخا ولا اختا ولا قريبا ولا صديقا ولا بعيدا… فهل عرفنا انفسنا؟
ماذا لو كنا اقلام رصاص …
فهل سنكتب شيئا … ام سنجد ان حياتنا باتت بلا معنى فلا نجد عنها ما يكتب …
هو سطر واحد ثم نُمحى كما محيت معاني وجودنا … “ولدنا ولم نعش ومع ذلك
سنموت”؟
ماذا لو كنا رمادا … فهل ستحملنا الرياح لطيب انفسنا … ام ستعصف الريح لترمينا بعيدا… فلا فائدة منَا … ثم نُنسى؟
واقعنا، نعيشه يوميا
ولكننا لا نتوقف لوهلة لنراه على حقيقته. فحالنا التي وصلنا اليها هي حال
يُرثى لها. يومنا اصبح صراعا مع الوقت لا نكسبه ابدا. و لعل هذا ما ينسينا
معاني انسانيتنا… مجتمعاتنا اليوم هي ابعد ما تكون عن المجتمعات اذ ذابت
روابط ما بينها فاصبح الفرد منا لا يأبه بشيء سواه. تُهنا في متاهات كثيرة
فتارة سياسية و تارة اقتصادية و تارة مجرد متاهة بلا معنى ففقدنا الاحساس
بأنفسنا. عندها ذابت روابطنا و اصبحت حياتنا بلا قيمة. في زمن ليس ببعيد لم
نكن نسمع عن كل تلك الجرائم التي ترتكب من حولنا. و لا عن ام ترمي
بأبنائها و تهرب بنفسها لضيق حالها. ولا عن شاب يزهق روحه بيده. ولا عن اب
يطعن ابنه ليتبع نفسه هواها. و بزمان ليس ببعيد لم تكن المادّة همّنا
الأكبر و لم يكن كل شيء حولنا مجرد تجارة لا اكثر … ماءنا و اكلنا و لبسنا و
تعليمنا و ركوبنا و علاقاتنا بل حتى انفسنا اصبحت تجارة لا اكثر. و بزمان
ليس ببعيد لم نكن نرى اناسا نُسوا ولم يُعتبروا اناسا… منهم من بات بلا
مأوى و منهم من بات جوعانا و منهم من بات بخرقة ممزقة لم يجد لها بديلا و
جاره لا يعرف عنه شيئا. في زمن ليس ببعيد كنا اناسا و كلمة انسان عندنا
تحمل اسمى معانيها.
فماذا حلَ بنا؟