لقد طال الحديثُ والنقاشُ بل والجدلُ حولَ هذه المسألةِ وإن لي بحثاً فيها وضعتُهُ في أحَدِ المُنتدياتِ الإسلاميَّة , إلَيْكُمُوه :
بسم الله والحمد لله والصَّلاةُ والسَّلام على نبينا محمد وعلى ءاله وصحبه ومن والاه , أمَّا بعدُ :
قال تعالى : {.... فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلا .} النساء الآية 59
فإنَّ الله أمرنا أن نرُدَّ كلَّ ما تنازعنا فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله , فإنَّ فيهما الفصلُ في جميع المسائل الخلافية , وعليهما بناء الدين , ولا يستقيم الإيمان إلا بهما , ولا يجوز العدول عنهما إلى غيرهما , فالردُّ إليهما شرطٌ في الإيمان , فلهذا قال : [ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ] فدلَّ ذلك على أنَّ من لم يرُدَّ إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقةً , بل مؤمنٌ بالطاغوت . وأنا عندما تكلَّمتُ في مسألة حوار الرجل والمرأة الأجنبيَّة عن طريق شبكة الإنترنت , ما أردتُ والله أن أُثيرَ الخلافَ والجدلَ بين الإخوةِ والأخواتِ – معاذَ اللهِ – وهنآك من الإخوةُ والأخواتُ بين مُؤيِّدٍ للأمر ومُعارضٍ , فالإخوةُ يكادون مُجمعون على أنَّه لا بأس إذا كان
مُقيَّداً بشروط , واستدلُّوا على ذلك بأدلَّة , وأمَّا الأخواتُ فبين مُؤيِّدةٍ ومُعارضةٍ , والمعارِضَةُ مِنْهُنَّ استدلَّتْ على المنعِ بأدلَّة ومن هنآ سأُبيِّنُ فيه وِجْهةَ النَّظَر, وهاكمُ الردَّ ، وأرجو أن تستفيدو من الحوارُ في هذه المسألة لكي لا يطول النِّقاشُ فقد يصلَ الحوارُ والنِّقاشُ إلى مرحلة الجدلِ وهي أيْ : المسألة لا تستحقُّ كلَّ هذا , إنَّ الذي حملني على التَّكلُّمِ في هذا الأمر هو أنَّ بعض الناس يدَّعون أنَّ هذا الأمرَ يُقْلِقُ بعض النَّاس ويخشون على أنفسهم الفتنةَ منه , وقلتُ أيّفتنةٍ ستحصُلُ من وراء ذلك ؟ وهل قرأنا النُّصوصَ ؟ وهل أمْعَنَّا وأنْعَمْنا النَّظَرَ فيها ؟ وأيُّ بابٍ للشيطان سيُفتَحُ في منتدىً مُلْتَزِمٍ بالأخلاق والدِّين ؟ , نعم قد يكونُ هذا , لكن ليس في هذا وبعدُ فإنَّ القائمين عليه على درجةٍ من الوعي والفهم , والدِّين والعلم , فإنَّهم إذا رأوْا مُخالفةً أيَّاً كانت نوعُ تلك المخالفة , في الدين في العقيدة في الأدب حذفوها قبل أن يطَّلعَ عليها أحدٌ,
وأقولُ واسمحوا لي :
أنَّهُ عندما مُلِئَتْ قلوبُنا – وأتكلَّمُ عن نفسي – حِقْداً وحسداً وحُبَّاً وتعلُّقاً بهذه الدُّنيا الفانية , وعندما طغتْ علينا الشَّهوةُ خِفْنا على أنفُسنا من الفتنة من هذا الأمرِ الَّذي لا يُشَكِّلُ شيئاً بالنسبة لما نراهُ في الشَّوارع , وبالنِّسبة لما نسمعُ عنه في الفضائحيَّات , نسألُ الله العافيةَ والسَّلامةَ , والصَّحابةُ رضي الله عنهم وهم من هم في العبادة والتَّقوى , لم يكُنْ هذا حالهُمْ , والأدلَّةُ والنُّصوصُ تؤيِّدُ ما أقولُ , لماذا لم يكن حالُهُمْ كحالنا اليوم ؟ لأنَّ قلوبَهم مُلِئَتْ حبَّاً وإيماناً وصفاءً ونقاءً وعِفَّةً وطُهْراً , والأمثلةُ كما قلْتُ مشهورةٌ معلومةٌ , من أرادَ أن يطَّلعَ عليها فلْيَجِدْها ثمَّه , وأنا قد ضربْتُ لذلك مثالاً واحداً منها وهو حديثُ سلمانَ عندما جاء إلى بيتِ أبي الدَّردار فلم يجدْهُ ورأى أُمَّ الدردار
مُتَبَذَّلَةً , والحاصلُ أنَّ هذا أمرٌ نسبيٌ , فأنتِ أو أنتَ قد تَفْتَتِنُ لو دخلتَ أحدَ المنتدياتِ المختلطةِ إن صحَّ هذا التَّعبيرُ , لكنَّ غيركَ قدْ لا يَفْتَتِنُ , فلماذا تحْمِلُ الأمَّةَ وتفْرِضُ عليها هذا المنهج الصَّارم من الورعِ والحرصِ – إن صحَّ أنْ نقولَ بأنَّهُ ورعٌ وحرْصٌ - أقولُ : أين الإثمُ وأين الحرجُ في ذلك ؟
-أين الفتنةُ التي ستحصُلُ من وراء حوارٍ يتِمُّ عن طريقِ الطِّباعةِ ؟ أي : الكتابة
- أين الفتنةُ التي ستحصُلُ إذا كان الحوارُ الذي يدورُ بين الجنسين وِفْقَ الضَّوابطِ الشَّرعيَّة ؟
- أين الفتنةُ إذا كان الحوارُ دائراً حول إحقاقِ حقِّ أوْ إبطالِ باطلٍ؟؟!! اين الفتنةُ إذا كان الحوارُ من باب تعليمِ العلمِ وتعليمه ؟
- أين الفتنةُ إذا كان الحوارُ لم يَخْرُجْ عن حدودِ الأدبِ ولم تُسْتَعْمَلْ فيه الألفاظُ الفاحشة؟
-أين الفتنةُ إذا كان الحوارُ أمام النَّاس وعبْرَ ساحاتٍ عامَّةٍ يُشاركُ الجميعُ فيها ؟؟!!
هذا والله ورعٌ باردٌ , وزُهْدٌ مُخْتَلَقٌ , وتنسُّكٌ مُفْتَعَلٌ . ولْنَفْرِضْ جدلاً أنَّ هذا فيه إثمٌ وذنبٌ , هنا سؤالٌ يفرضُ نفسه , تُرى ما
مقدارُ هذا الإثمِ ؟ وما مقدارُ هذا الذَّنب ؟ وهل يوجدُ في كتاب الله وسنَّةِ رسوله ما يبيِّنُ لنا ذلك ؟ أقولُ : نعم يوجدُ , فالحمدُ لله الذي بيَّنَ لنا في
القراءن - الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد - ذلك , قال تعالى في سورة النجم آية 32 { الَّذين
يَجْتَنِبونَ كبائرَ الإْثْمِ والْفَواحِشَ إلاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَة ....} وقدْ بيَّنَ النَّبيُّ صلى الله عليه وءاله وسلَّمَ ذلك أيضاً فقد روى البُخاريُّ في صحيحه قال : حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيانُ عنِ ابْنِ طاوسِ عَنْ أبيهِ عنِ ابْنِ عَبَّاسِ
رَضيَ اللهُ عَنْهُما قالَ : لَمْ أَرَ شَيْئَاً أَشْبَهَ بِالَّلمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبي هُرَيْرَةَ ح حَدَّثَني مَحْمُودٌ أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسِ عَنْ أَبيهِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قَالَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئَاً أَشْبَهَ بِالَّلمَمِ مِمَّا قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا الِّلسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ . فهل هناك أصرحُ من هذا ؟ الَّلهُمَّ
لا , هل هناك أرحمُ من الله بعباده الضُّعفاء ؟ الَّلهُمَّ لا , هل هناك أفضلُ من هذه السَّماحة ومن هذه الرحمة ؟ الَّلهُمَّ لا وألفُ لا !! ماذا يُريدُ منَّا البَعْضُ ؟ هل يُريدونَ أنْ نكون أنبياءَ معصومين ؟؟ والله لن نكون ,!! هل يريدوننا أن لا نُخْطأَ ؟؟ سأقولُ كما
قال المعصومُ فداهُ أمِّي وأبي وروحي ودمي رسولُ الله , كما في صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم : والذي نفسي بيده لَوْ لَمْ تُذْنِبوا , لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجاءَ بِقَوْمٍ , يُذْنِبونَ فَيَسْتَغْفِرونَ الله فَيَغْفِرُ لَهُمْ . وهل هذا النَّوْع من الذُنوبِ يحتاجُ إلى تَوْبَةٍ نصوحٍ ؟ أقولُ : ما دامَ أنَّهُ تَقَرَّرَ لدينا أنَّ هذا من الَّلمَمِ أيْ : من الصَّغائِرِ فلا يحتاجُ إلى توبةٍ نصوحٍ , فهذا النَّوْعُ من
الذُّنوبِ تُكَفِّرُهُ الصَّلاةُ والوضوءُ وكثْرَةُ الخُطا إلى المساجدِ وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصَّلاةِ ورمضانُ والعمرةُ والحجُّ , كما أخبر بذلك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم , كما في صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ : الصَّلواتُ الخمسُ والجُمُعَةُ إلى الجُمُعَةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكَفِّراتٌ ما بينهما إذا اجْتَنَبَ الكبائرَ . ماذا أيضاً ؟ فهل تريدون المزيد ؟ أظنُّ أنَّ في هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية , هذا دينُنا .... وهذه
هي سماحتُهُ .... وهذا ربُّنا وهذه هي رحمتُهُ وفضلُهُ .... وهذا نبيُّنا ....وهذه تعاليمُهُ وهذا هو هدْيُهُ , وهذا ما يجبُ أن نعلَمَهُ من الدِّين بالضَّرورة , وهذا ما يجبُ أن يعرفَهُ النَّاسُ كلُّ النَّاسِ عن هذا الِّدينِ الخاتَمِ , وعن هذه الرِّسالةِ العالَمِيَّةِ , رسالةِ نبيِّ الله مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلَّم , إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السَّمع وهو شهيد . اللهمَّ هل بلَّغْتْ ؟ اللهمَّ فاشهدْ . وهذا ما أدينُ اللَه به إخواني وأخواتي فاشهدوا ,
وسَتَذْكُرونَ ما أقولُ لكم وأُفوِّضُ أمري إلى اللهِ إنَّ اللهَ بصيرٌ بالعباد . والحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحاتُ