إليك أبي العزيز ..
يا أغلى ما أملك في هذا الوجود ..
إليك والدي الحنون ..
يا نور عيني .. يا بهجة قلبي ..
ترددت في كتابة هذا الكلام ..واحترت كثيرا ..
وما ذلك إلا لعظيم قدرك عندي ..وكبير احترامي لك...
ولكن لابد منه الآن قبل فوات الآوان ..
(( أبي ))
أعلم ُ أنك فرحت كثيرا حين ولدتني أمي وأبصرت عيناك عيني ..
وكدت تطير من شدة السرور ..
فاشتريت لي لباسا ً وحليبا ً وأغراضا ً كثيرة ...
ثم ربيتني أحسن تربية وعودتني على كريم الأخلاق .. ونبيل الصفات ..
فجزاك ربي عني خير ما جزى والدا ً عن ولده ..
ورفع قدرك في الدنيا والآخرة ..
وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة ... آمين .
ولكن يا أبت ِ سرعان ما زال ذلك كله فلم تعد كما كنت !!
لم تعد تسأل عني في المدرسة !!
ولا تعرف من رفاقي !!
ولا تدري إلى أين أذهب ومتى أعود ؟ !
ولم تعد تذاكر لي وتقرأ سجلي كما كنت تفعل سابقا ً ..
(( أبي ))
السائق يتأخر كثيرا ً وأبقى وحيدا ً عند باب المدرسة وأنت لا تدري !!
بعض الدروس لا أفهمها ..
وبعض الواجبات لا أقدر على حلها ..
فأعاقب عليها لأني لم أجد من يتابعني ويعينني ويشرح لي ...
وأنت لا تدري ..
(( أبي ))
يعاتبني المعلمون :
لماذا لاتذاكر وتراجع في بيتكم ؟
أين أبوك ؟!
ولماذا لايتابعك ويذاكر لك ويوقع على سجلك ؟
فأشعر وكأنهم يجرعونني علقما ً مرا ً ..!! وشوكا ً قاسيا !!
وأنت لاتدري ..
(( أبي )) كلمة ٌ حلوة ٌ جميلة ..
ولكنه مشغول ٌ عني ..
يعاتبني الوكيل :
لماذا هذا التأخر الصباحي ؟
لماذا لاتحضر الطابور مع زملائك ؟
أين أبوك ؟
لابد أن يحضر إلينا ..
خذ هذه الورقة أعطها إياه ..
وأنت لاتدري ..
(( أبي )) كلمة ٌ حلوة ٌ جميلة ..
ولكنه مشغول ٌ عني ..
ربما لايعرف بأي صف أدرس !
بل ولايدري بأي مرحلة !!
وربما لا يذكر بأي مدرسة أدرس !!؟
(( أبي ))
زميلي خالد يقول :
(( بالأمس راجعت الكتاب كاملا مع أبي ..يسألني وأسأله ))
فأتألم جدا ً وأضطر لأن أكذب فأقول : وأنا كذلك راجعته مع والدي صفحة صفحة !!
كل هذا من أجل أن لا يخدش أحدهم صورتك ..
أو يهين كرامتك ..
أو يسخر بك أمامي ..
نعم أكذب لأني أحبك ..
ولأنني أريد أن يكون (( أبي )) أفضل أب ..
نعم يا أبي .. فهل تعلم بهذا كله ؟ !
أين أنت عني ؟ قد بُـحّ صوتي ..
طوال هذه الأيام والشهور والأعوام !!
(( أبي ))
أنا لا أريد أبا ً يُـطعمني ويسقيني ويلبسني فقط ..
بل أريد أبا ً يصاحبي ..
ويصادقني ..
ويحمل همي ..
يكون أبا ً ورفيقا ً وزميلا ً وأستاذا ً وقدوة ً ومستشارا ً ...
(( أبي ))
ثق تمام الثقة أنني لو كنت أريد الضياع والخراب والمتعة والراحة فلن أتعب في البحث عنها ..
لأني لن أجد أفضل من هذا المناخ الذي وفرته لي أنت !!
فرفاق السوء يحيطون بي من كل جهة ..
والأموال في جيبي ..
والسائق تحت أمري ..
وفي غرفتي كل ما أريد من وسائل اللهو وأدوات الفساد ..
وبابها مقفل ..
فلا رقيب ولا حسيب ..
ولكنني أخاف الله ..
وأحب أن أرفع رأسك عاليا ً ..
أحب أن تفتخر بي غدا ً أريد أن أكون ابنا ً بارا ً وعبدا صالحا ً ..
(( أبي ))
لا أريد أن أعصيك أو أعقك ..
ولكنك تضطرني لذلك أحيانا ً وتجبرني عليه بسوء معاملتك لي ..
وضربك إياي ..
ورفع صوتك علي ّ ..
وكأني طفل ٌ صغير ..
تهملني ثم تعاقبني ..
تغيب عني .. وتحاسبني ..
تقسو علي ولا ترحمني !!
.
.
.
.
(( أبي ))
هل وصلتك الرسالة ؟
أدركني قبل أن أغرق ..
أنقذني قبل أن أهلك ..
خذ بيدي قبل أن يأخذ بها غيرك ..
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ..
وكـتبه :
ابنك الذي نسيته وأهملته ..
منقول للفائدة