مجاز القرآن
بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ
حدثنا
أبو الحسين محمد بن هارون الزّنجانيّ الثَقَفي، قال: أخبرنا أبو الحسن على
بن عبد العزيز، قال: حدثنا علي بن المُغيرة الأثْرَم، عن أبي عُبيدة
مَعْمَر بن المُثَنَّى التَّيْميّ، قال: القرآن: اسم كتاب الله خاصْة، ولا
يُسمّى به شيء من سائر الكتب غيره، وإنما سُمّى قرآناً لأنه يجمع السور
فيضمها، وتفسير ذلك في آية من القرآن؛ قال الله جلّ ثناؤه: (إنّ علينا جَمه
وقُرْأنَه) (7518). مجازه: تأليف بعضه إلى بعض؛ ثم قال: (فإذا قَرَأناه
فاتَّبِعْ قُرآنه) (7518) مجازه: فإذا ألَّفنا منه شيئاً، فضممناه إليك فخذ
به، واعمل به وضمّه إليك؛ وقال عمَرو ابن كُلْثُوم في هذا المعنى:
ذِراعَىْ حُرَّةٍ أدماءَ بَكْرٍ ... هِجانِ اللَّوْن لم تَقرَأ جَنينا
أي
لم تضمّ في رحمها ولداً قط، ويقال للتى لم تحمل قط: ما قرأت سَلىً قط. وفي
آية أخرى: (فإِذا قرأتَ القُرْآنَ) (1698) مجازه: إذا تلوت بعضه في إثر
بعض، حتى يجتمع وينضمّ إلى بعض؛ ومعناه يصير إلى معنى التأليف والجمع.
وإنما سُمّى القرآن فُرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلم
والكافر، وخرج تقديره على تقدير: رجل قُنْعان، والمعنى أنه يَرضَى الخصمان
والمختلفان في الأمر بحكمه بينهما ويقنعان به.
والسورة من القرآن يهمزها
بعضهم، وبعضهم لا يهمزها، وإنما سُمّيت سورة في لغة من لا يهمزها، لأنه
يجعل مجازها مجازَ منزلة إلى منزلة أخرى، كمجاز سورة البناء، قال النابغة
الذبياني:
ألم تر أن الله أعطاك سورةً ... ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذبُ
أي
منزلة شرف ارتفعتَ إليها عن منازل الملوك، غير أن جمع سورة القرآن خالف
جمع سورة البناء في لغة من همز سورة القرآن، وفي لغة من لم يهمزها؛ قالوا
جميعاً في جمع سورة القرآن (سُوَر) الواو مفتوحة كما قال: لا يقرأنَ
بالسُوَرِ فخرج جمعها مخرج جمع ظُلمة والجميع ظُلمَ ونحو ذلك، وقالوا
جميعاً في جمع سورة البناء سُور الواو ساكنة، فخرج جمعها مخرج جمع بُسْرة
والجميع بُسْر قال العجّاج:
فرُبَّ ذي سُرادقٍ محجورِ ... سِرتُ إليه في أعالي السُوْرِ
الواو
ساكنة، السُرادق: الفُسطاط وهو البَلق؛ ومجاز سورة في لغة من همزها: مجاز
قطعة من القرآن على حِدة وفضلة منه لأنه يجعلها من قولهم: أسأرتُ سؤراً
منه، أي أبقيت وأفضلت منه فضلةً.
والآية من القرآن: إنما سّميت آية لأنها كلام متصل إلى انقطاعه، وانقطاع معناه قصة ثم قصة.
ولسور
القرآن أسماء: فمن ذلك أن (الحمد الله) تسمّى (أم الكتاب)، لأنه يبدأ بها
في أول القرآن وتعاد قراءتها فيُقرأ بها في كل ركعة قبل السورة؛ ولها اسم
آخر يقال لها: فاتحة الكتاب لأنه يُفتتح بها في المصاحف فتُكتب قبل القرآن،
ويُفتتح بقراءتها في كل ركعة قبل قراءة ما يُقرأ به من السور في كل ركعة.
ومن
ذلك اسم جامعِ لما بلغ عددهن مائة آية أو فُوَيق ذلك أو دُوَينه فهو
المئون، وقد فرغنا من ذلك في الرجز الذي بعد هذا. ومن ذلك اسم جامع للآيات
وهو: المثاني، وقد فرغنا من ذلك في الرجز الذي بعد هذا. ومن ذلك اسم لقوله:
(قل يا أيها الكافرون) (109)، ولقوله: (قل هو الله أحد) (112) يقال لهما:
(المقشقِشتان)، ومعناه المبرِّئتان من الكفر والشكّ والنفاق كما يُقشقِش
الهِناء الجَرِبَ فيبرئه. ومن ذلك اسم جامع لسبع سور من أول القرآن، يقال
للبقرة (2)، وآل عمران (2)، والنساء (4)، والمائدة (5)، والأنعام (6)،
والأعراف (7)، والأنفال (8): (السبع الطُوَل)، قال سليمان:
نَشدتُكم بمُنْزِل الفُرقانِ ... أم الكتاب السبع من مَثاني
تُنّين من آيٍ من القرآنِ ... والسبع سبعِ الطُوَل الدَّواني
وقال في جمع أسمائها:
حَلفتُ بالسبع اللواتى طُوّلتْ ... وبمِئين بعدها قد امْئيتْ
وبمثَانٍ ثُنّيت فكُرّرت ... وبالطواسيم التي قد ثُلِّثت
وبالحواميم اللواتي سُبّعت ... وبالمفصّل اللواتي فُصّلت
وقال الشاعر فيما يدل على أن الحمد هي السبع المثاني:
الحمد لله الذي أعفاني ... وكلَّ خير صالح أعطاني