.بين الصمت الكلام أجد نفسي..
كثيراً ما مرت علينا مواقف .. تمنينا بعدها لو أننا استطعنا أن نتحدث و نخرج ما في جوفنا..
فعندما يفكر الفرد منا في ما حدث يقول: يا ليتني قلت هذا أو يا ليتني قلت ذاك..
و على الع** من ذلك فإن هناك مواقف أخرى تمنينا فيها بصدق لو أننا صمتنا تماماً
كما يحدث في زلات اللسان.. لأنه لا أحد منا يريد أن يعتذر..
فمسألة الاعتذار تعتبر تجربة صعبة و قاسية عند البعض..
أيهما أفضل الصمت أم الكلام؟...
سؤال حار في ذهني إلى أن رأيتهما و هما جالسان على شاطىء البحر يتحدثان...
كانت بينهما محاورة هادئة لكنها احتدت فيما بعد..
الصمت: انظر إلى جمال الطبيعة... انظر إلى البحر الهادىء...
أتعلم ما هو السر الذي استودعه صدره حتى جعله ملاذاً للمهمومين..
إنه صمته.. هدوءه ... هو ما يجعل الناس يهربون من هم دنياهم إليه..
الكلام: تخيل أن تستيقظ يوماً ما دون أن تسمع فيه صوت البلابل..
تخيل أن تستمتع بجمال منظر طبيعي دون أن تسمع خرير الماء أو حفيف الشجر..
بل تخيل الحياة كلها دون أصوات... أليست حياة مملة ؟!..
الصمت: لا يوجد شيء من الملل لو أننا تعودنا على ذلك..
فالصمت مطلوب في كثيرٍ من الأحيان.
الكلام : نعم.. حتى و إن ظلمت فلا تعلن مظلوميتك.. لماذا؟.. لأن الصمت مطلوب.
الصمت: أنا لم أقصد ذلك, و إنما هناك حالات أخرى
غير إعلان المظلومية تتطلب الصمت.. ألا تعرف الحديث الذي يقول: "فليقل خيراً أو ليصمت"
الكلام: و أنت ألا تعرف الحديث الذي يقول:" الكلمة الطيبة صدقة".
الصمت:
أنا لا أنكر ذلك, فقط أردت أن أوضح لك أن الكلام ليس في كل حالاته حسن..
فالتعرض لأعراض الناس و
الغيبة و الشتائم كلها استخدام للكلام في غير حاجة,
فالصمت أفضل بكثير من أن تتكلم في مثل ذلك.
الكلام: شيء آخر لا تستطيع إنكاره من فضائلي
هو أنك كيف ستبدي وجهة نظرك و تعبر عن رأيك من غير الكلام...
كيف ستناقش قضية معينة أو تثبت ضدها..
كيف ستدعو الناس إلى الحق بغير الحكمة و الموعظة الحسنة و التي هي من الكلام...
كيف ستعبر عن إعجابك بشخصٍ أو شيءٍ ما.. كيف ستبحث لنفسك عن متنفس من غير الكلام..
كيف ستعبر عما يضج به صدرك ..
الصمت: أحياناً لغة العيون تكون أبلغ و أفصح من ألف عبارة باللسان..
الكلام: الانهزام هو ما يجعلك تقول ذلك..
الصمت:
إن نعمة الصمت نعمة مزدوجة, فمن جهة تعلمك أشياء كثيرة بالاستماع إلى آراء
الناس و أفكارهم, و في الوقت
نفسه تريحك من الكلام و ما يترتب على ما
تقول.
فالذين لا يحسون الإنصات لا يدعون لأي متحدث أن ينفذ إلى عقولهم
و من ثم فلا يستفيدون من كلام الآخرين.
أما حسنوا الإنصات فتراهم يحاولون أن يجدوا فيما يقال لهم شيئاً يمكن الاستفادة منه.
تبقى الحياة ميداناً للصراع بين المتضادات, و يبقى للصمت فضائله كما للكلام فضائله..
فالحياة صورة رائعة رسمتها يد خلاق عظيم حَوَت بين ثناياها
كماً هائلاً من المتضادات التي لا تبرز قيمة الواحد منها إلا في وجود الآخر..
فلا قيمة لليل دون نهار... و لا لصيف من غير شتاء...
فايهما تؤيد الصمت او الكلام؟.