بـسـم الله الـرحمـن الرحـيـم
قال الإمام الماوردي -رحمه الله-: واعلم أنَّ للكلام
آدابًا إنْ أغفلها المتكلِّم؛ أذهب رَوْنَق كلامه، وطمس بهجة بيانه، وَلَهَا الناس
عن محاسن فضلِهِ بمساوئ أدبه، فعدلوا عن مناقبه بذكر مثالبه.
ومن
آدابه:
أولا: أن لا
يتجاوز في مدح، ولا يسرف في ذمٍّ، وإن كانت النزاهة عن الذّمِّ كرمًا،
والتجاوز في المدح قلقًا يَصْدُرُ عن مهانةٍ، والسَّرفُ في الذّمِّ انتقامٌ
يَصْدُرُ عن شرٍّ، وكلامها شينٌ، وإن سَلِمَ من الكذب.
°°°
ثانيا : أن لا تبعثه الرغبة في الرهبة في وعدٍ أو وعيدٍ يعجز عنهما،
ولا يقدر الوفاء بهما، فإنَّ من أطلق بهما لسانَهُ، وأرسل فيهما عنانه، ولم
يستثقل من القول ما يستثقله من العمل؛ صارَ وَعْدُهْ نكثًا، ووعيده
عجزًا.
°°°
ثالثا: أنّه إن قال قولًا حقَّقَهُ بفِعلِهِ، وإذا تكلَّم بكلام صدَّقَهُ
بعَمَلِهِ، فإن إرسال القول اختيارٌ، والعمل به اضطرارٌ، ولأن يفعل ما لم
يقل، أجمل من أن يقول ما لم يفعل.
°°°
رابعًا: أن يراعي مخارج كلامه بحسب
مقاصده وأَغراضِهِ، فإن كان ترغيبًا قرنَهُ باللين واللطف، وإن كان ترهيبًا
خلطه بالخشونة والعنف، فإنَّ لين اللفظ في الترهيب، وخشونته في الترغيب، خروج عن
موضعهما، وتعطيل للمقصود بهما، فيصير الكلام لغوًا، والفرض المقصود
لهوًا.
°°°
خامسًا: ألَّا يرفع بكلامه صوتًا مستكرهًا، ولا ينزعج له انزعاجًا مستهجنًا،
وليكُفًّ عن حركة تكونُ طيشًا، وعن حركة تكون عيًّا، فإن نقص الطيش أكثر من
فَضْل البلاغة.
°°°
سادسا: أن يتجافى هُجْرَ القولِ
ومستقبح الكلام، وليَعْدِلْ إلى الكناية عما يستقبح صريحة، ويستهجن فصيحة،
ليبلغ الغرض ولسانُهُ نَزِهٌ، وأدبُهُ مصونٌ، وكما أنّه يصون لسانه عن ذلك، فهكذا
يصون عنه سمعَهُ، فلا يسمع خَنّى ولا يُصْغِي إلى فُحْشٍ، فإن سماعَ الفحشِ داعٍ
إلى إظهارِهِ، وذريعةٌ إلى إنكارِهِ، وإذا وُجدَ عَنِ الفَحشِ مُعْرِضًا، كفَّ
قائِلُهُ وكان إعراضُهُ أحَدُ النكيرَيْنِ، كما أَنَّ سَماعَهُ أحَدُ
الباعثينَ.
°°°
سابعًا: يجتنب أمْثالَ العامة الغوغاءِ، ويتخصص بأمثال العلماء الأُدباءِ
.فإن لِكُلِّ صِنْفٍ من النّاس أمثالًا تُشاكِلُهُمْ، فلا تجدُ لساقِطٍ إلّا
مثلًا ساقطًا، وتشبيهًا مستقبحًا، وللأمثالِ من الكلام موقعٌ في الأسماع، وتأثيرٌ
في القلوب، لا يكاد المرسلُ يبلغ مبلغها، ولا يُؤَثِّرُ تأثيرها، لأنَّ المعاني بها
لائحة، والشواهد بها واضحةٌ، والنفوسُ بها واقِعَةٌ، والقلوب بها واثِقةٌ، والعقول
لها موافِقَةٌ، فلذلك ضرب الله الأمثال في كتابه العزيز، وجعلها من دلائل رُسُلِهِ،
وأوضح بها الحجة على خَلْفه، لأنَّها في العقول معقولةٌ، وفي القلوب مقبولة.