للنساء فقط!
قد يبدو هذا العنوان من أوَّل وهلة غريبًا، أو ربَّما متميِّزًا، والصَّراحة أنِّي تعمَّدت وضعه في الواجهة لإثارة الاهتِمام من جهة، ومن جهة أُخرى للتَّركيز على الفئة الَّتي أرغب أن تقرأ هذه المقالة، رغم علمي أنَّ هذا الموضوع قد يُثير الرِّجال كذلك، ولا بأس.
المهمّ، أحب طريقة في الكتابة أستخدمها حينما أروم الوصول إلى النَّتائج الَّتي تكون الرَّغبة فيها قد لامست قلبي، ولذلك -وكما سبق لي وأن كتبت في مقالاتٍ سابقة- أطلبُ منكنَّ أخواتي الحبيبات أن تتخيَّلن معي غرفًة ما، في بيتٍ ما، لا يهمُّني كلّ البيت، ولكن أكثر تلك الغرفة، ركِّزْن أكثر معي: هناك سرير، وهذا هو الجزء الأهمّ، ولا داعي للاهتِمام بباقي الأثاث، وعلى ذاك السَّرير تنام امرأة عجوز، قد تساقَطَتْ قُواها الجسديَّة مع السَّنوات المنْقضية، ووجدتْ نفسَها قعيدة الفِراش، ضعيفة، وإلى جانبها كومةٌ من الأدْوية الَّتي عليها أن تشربَها في مواقيتَ محدَّدة، وزجاجة ماء على مقْربة من الفراش، تمرُّ لحظةٌ عليها تشْعر بالعطش، فتُحاول أن تمدَّ يدها إلى زجاجة الماء فلا تَستطيع، وبعد مُحاولاتٍ مضْنية تعاود الالتِصاق بالفراش وقد أنْهكتها تلك المحاولات، تُنادي بأسماء مختلِفة عسى أحدُهم يسمعُها فيأْتِي إليْها ليساعِدَها، فلا مُجيب على نداءاتِها، فتصْمت لحظات، ثمَّ تعاود المحاولة من جديد لتمْسِك بزجاجة الماء، ولا فائدة مرَّة أخرى، تشعر بالجوع، ولكن ما من سبيلٍ إلى أيَّة لقمة، تُعاود النِّداء مرَّات ومرَّات دون جدوى، فتستَسْلِم للفِراش في إحباط وقد تدفَّقت الدُّموع من عينيْها كالماء الَّذي لم تستطع شربَه، وهي في غمرة حزنها تشعر بشيءٍ دافئ يخرج منها ليبلِّل الفراش وينشر في الأجواء رائحةً كانت تتقزَّز من شمّها من بعيد في أيَّام ماضية، لكنَّها اليوم لا تقوى على النُّهوض... مسكينة!
أخواتي الحبيبات:أتعْلمْنَ لماذا سردتُ عليكنَّ هذا المقطع؟
بكلِّ بساطةٍ لأنَّ تلك المسكينة القابِعة في الفراش قد تُصبح أنتِ أو أنا يومًا ما، طبعًا لا أتمنَّى أن يحدُث لي ذلك، ولا أنتنَّ، ومع ذلك تجِد بعضُ النِّساء من بنات جنسِنا الجرأةَ عند زواجِهنَّ على طلب سكنٍ انفرادي، والابتِعاد عن أهل الزَّوج بُعد السَّماوات عن الأرض، وقد يكون والِدَا الزَّوج في مثل حالة المرْأة المسكينة الَّتي تحدَّثنا عنها، وقد يُفضَّل في تلك الحالات رمْيهما إلى دور الشَّيخوخة، أعلم ما يُراودكنَّ... صحيح، قد يكون والدا الزَّوج من أعْند خلق الله، وربَّما من أعقدهم، أو من أسوئِهم أخلاقًا، قد يكون الانفِصال أحيانًا عنهما هو عين الحِكمة، قد تتطلَّب التَّربية السَّليمة للأبناء أحيانًا الابتِعاد عن تأثير الأجْداد، نعم كلُّ هذا صحيح ولكن حديثي ليس عن تلك الحالات، وإنَّما عن حالاتٍ أُخرى تصبح فيها الرَّحمة الإنسانيَّة أوْلى.
شاهدتُ في حياتي إلى حينِ هذه اللَّحظات نماذجَ لهذه الأمثلة المعْروضة، ولم أستطِع الاستِقْرار على برٍّ إلاَّ بعد أن عايشتُ مثالًا يَقترب من المثال الأوَّل المعروض، ورأيتُ كيف أنَّ الرَّحمة الإنسانيَّة قد أفاضت على العائلة الخير الكثير، لا تُرى إلى جانبه المشاكل الجانبيَّة التَّافهة، وتيقَّنت في نفسي أنِّي أبدًا لن أستطيع أن أتحمَّل الحياة وحدي، وفي مثل تلك الظُّروف المخيفة، نعم قد تكون ضريبة العيْش مع أهل الزَّوج غاليةً جدًّا، ولكنَّها في كلِّ الأحوال لن تكون أغلى من ضريبة ترْكِهم في مثل الأوضاع الَّتي بدأنا الكلام بها؛ لأنَّها تَمتدّ إلى ما بعد الحياة إلى العالِم الآخر الَّذي لا يجب المغامرة به، وعلى كلٍّ فإنَّ الشَّرع لا يُلزِم بذلك، ولكن أخبِرْنَني صراحةً كيف تتمنَّى كلُّ واحدةٍ منكنَّ أن تعيش في آخِر عمرها؟ وأيَّة أجواءٍ تتمنَّى أن تُحيط بها؟ حينما نتأكَّد من إجاباتِنا، حينها فقطْ نَستطيع أن نحضِّر لتلك المرحلة، فلا يُمكن أن نحصد في نهاية المطاف إلاَّ ما زرعناه. لاتنسونا بردودكم الجميلة