لست شاربا للخمور ولكنني مع التريث في مسألة منعها وسن التشريعات ضد متعاطيها بل لعلي أقول إن قرارا مثل هذا الذي تحمس له النواب في جلستهم الأخيرة ويأملون من مجلس الشورى الموافقة على المشروع بقانون الذي تقدموا به وتمريره مناقض لمبدأ الحريات الذي ينادي به الجميع، والمبدأ الأساس كما يراه كثيرون هو الإباحة ''لا أتحدث عن الجانب الديني'' واحترام الآخر عبر إفساح المجال له لاتخاذ قراره بنفسه بدلا من فرض القرار عليه مع الالتزام بالقانون.
مهلا، لم أنطق كفرا، الخمر محرم شرعا، أعرف هذا جيدا، ولكنني أعرف كذلك أن أمورا أخرى محرمة أيضا لم ترق إلى حد أن تحظى بلفتة من النواب الكرام وحماسا كالذي أبدوه في الجلسة المشار إليها. هل كان تركيز النواب على أهمية الخروج بـ ''نصر'' ما قبل أن ينفض السامر؟
لابد من ملاحظة أن هذا الموضوع الذي ذكر بعض النواب أنهم دخلوا المجلس من أجله ''...'' تم طرحه في أواخر الفصل التشريعي، يعني في نهاية العام الرابع للمجلس، أي أن المشروع قابل للفشل لأنه حسب النظام سيحول إلى مجلس الشورى الذي قد يركنه جانبا أو يتباطأ في مناقشته أو يعدل عليه ويعيده إلى مجلس النواب ليناقش من جديد ثم ليعود أدراجه من جديد إلى الشورى.. ولينتهي الفصل التشريعي قبل نهاية هذا: ''الفيلم'' فيسقط تلقائيا.
ليست مشكلتنا في الخمور فهي موجودة منذ وجد البشر، وفي البحرين صار الابتعاد عن حظرها وعدم التضييق على شاربيها سمة من سمات الحرية الاجتماعية، وقد ثبت في الفترة الطويلة الماضية أن الذين لا يشربون الخمور لا ''يوطوطون'' صوب البارات والفنادق ومحلات بيعها مثلما أن شاربيها لا ''يوطوطون'' صوب المساجد وحيث يتواجد ''المطاوعة'' إلا إن هداهم الله ذات يوم.
في بحريننا ظل الناس يعيشون معا ويحتمل بعضهم بعضا ويراعي كل منهم الآخر، هكذا عشنا مسلمين ومسيحيين ويهود في منطقة واحدة، عيسى بدينه وموسى بدينه كما يقولون، واليوم نعيش حالة متطورة من الحريات التي غريب عليها مثل هذا التفكير الذي وجد النواب أنفسهم متحمسين له ''هاليومين''. أما المسلمون فمنهم الملتزم ومنهم العاصي، ليس كل المسلمين يصومون شهر رمضان وليس كلهم من المصلين، كذلك الحال فيما يخص الخمور، وواقع الحريات يفرض أن يترك الأمر للشخص نفسه ليتحمل وزره فلا تزر وازرة وزر أخرى، المهم أن يحكمه القانون، فإذا تم ضبطه سكران وقد ارتكب مخالفة ما مرورية أو تورط في مشاجرة فالعقوبات في هذا الشأن واضحة ويتم تطبيقها عليه، أما العلاقة بينه وبين ربه فالمنطق يفرض أن نبتعد عنها فهو في النهاية يتحمل جزاء سلوكه.
لا أدري إن كان النواب قد اهتموا وهم يخططون لطرح المشروع ومناقشته والسعي لفرضه بالنواحي الاقتصادية أو إن كانت قد توفرت لهم أرقام تتيح لهم النظر بواقعية في هذا الجانب، حيث لا يعقل أن يكون السماح لتداول الخمور طوال السنوات الماضيات فقط من باب تأكيد الحريات الاجتماعية. فالمنطق يقول إنه لابد أن يكون قد ربط بالاقتصاد أيضا. هل يمكن للنواب الدخول في هذه المساحة فعلا؟
الدين يهمنا جميعا مثلما يهم غيرنا من الدول الإسلامية والمسلمين في كافة أقطار العالم، لكن واقع الحال يقول إن جل الدول الإسلامية مسموح فيها بيع الخمور وتناولها وليس من داع لذكرها فهي معروفة.. وكثيرة، لكنها جميعا تتحكم في الموضوع بواسطة القانون الذي يعاقب أي مخالفة تحدث نتيجة هذا السلوك.
على الجانب الآخر لابد من ملاحظة أن قرارا كهذا من شأنه أن يشحذ همم وعقول ''المتضررين''، حيث سنجدهم بعد قليل وقد أبدعوا طرقا جديدة ليحصلوا على مرادهم ما يدفع بسؤال مهم يحتاج إلى إجابة واضحة هو إلى أي مدى هو استعداد وزارة الداخلية للتعامل مع هذا الموضوع، حيث الأكيد أنها بطاقمها الحالي يصعب عليها التحكم في تطبيق القرار.
ما قد لا يعرفه النواب الكرام هو أن الخمور تتوفر في البلدان المانعة لها بشكل لا يتصور ولعله بكميات أكبر، لكنهم يعرفون بالتأكيد بأن كل ممنوع مرغوب، ولابد أن يعرفوا أن عقل الإنسان سيتفتق عن آلاف الأفكار التي ستعينه على التعامل بذكاء مع هذا الوضع الجديد ليس في التهريب فقط ولكن في صنع الخمور محليا ''وطني يعني''.. وحتى هذه لو تم التضييق عليهم فيها فسنجدهم شاربين للبنزين.. مثلهم مثل السيارات.
نعم، لا للخمور، ولكن ليس بهذه الطريقة التي لم تعد مناسبة لبحريننا وزماننا وللحريات التي صرنا نتميز بها بين دول العالم، فما كنا فيه ولانزال أفضل مليون مرة من وضع يراد لنا أن نكون فيه يزيد حياتنا إرباكا.
ترى هل لو تم منع الخمور ستحل كافة مشكلاتنا وسيتغير حالنا إلى أحسن حال؟ وهل فعلا مشكلتنا هي في السماح للخمور بالوصول إلى طالبيها؟ اقتباس من انسان جاهل للدين بل ملحد