المعروف عن الشعب الجزائري أنه شعب كثير النسيان أو شعب "نساي" كما يقال، والبعض ـ خاصة منهم أولياء أمره ـ يعتبرون ذلك سمة من شيم التسامح والشهامة والكرم والطاعة في هذا الشعب.. ولكن النسيان المقصود تحديدا، ونحن نعيش أحداث كرة القدم، هو ذلك المسمى بالثغرات التي تصيب الذاكرة، والتي هي هنا ليست ثغرات فحسب، ولكنها أنفاق طويلة ومغارات عميقة، لا تترك في الذاكرة شيئا مما مضى، وبالتالي، لاتسمح بمعالجة أخطاء الماضي والحاضر معا.
فبالأمس القريب، لم يكن للشعب الجزائري، بكل فئاته العمرية والجنسية، حديث أو اهتمام إلا بما يحدث من من فساد ورشوة واختلاسات بالجملة للمال العام وحتى الخاص أيضا. أما مع مشاركة الفريق الوطني في نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا، فقد أصبح وكأن شيئا لم يكن، ولا حديث إلا عن الفريق الوطني ومدربه ولاعبيه و"إبداعاتهم" في تسريحات شعرهم، وترددهم على الحلاقات من أجل ذلك.. وحتى الصحافة الوطنية التي كانت تعج يوميا بأخبار الفساد والاختلاسات والمحاكمات المتعلقة بها، قد خلت منها تماما بمناسبة كأس العالم والفريق الو طني، وكأن المختلسين واللصوص قد أخذوا عطلة تفرغا للتفرج على الفريق الوطني.
وفي هذا اليوم، الجمعة، ينسى الجزائريون تمام النسيان الهزيمة التي مني بها الفريق الوطني أمام الفريق السلوفيني، الذي قيل إنه أضعف فريق في المجموعة، وهم يعتقدون ـ اعتقادا في محله إن شاء الله ـ أنه سيفوز على الفريق الانجليزي، أقوى فريق في المجموعة. وإذا كان لابأس من الأمل والتمني، فإنه لا يجب أن يكون مقرونا بالنسيان، الذي يعني نكران الأشياء المنطقية والبديهية، التي تتحكم في مصير الأمور الهامة.
وفي ظل آفة النسيان، يمكن أن نتنبأ بما قد يحدث في حالة الفوز بمقابلة اليوم، وهو أننا سننساها ونتعلق بأمل الفوز بمقابلة الولايات المتحدة، ونسميها مقابلة إنقاذ ماء الوجه، ولكننا لا نستطيع أن نتنبأ بما قد يحدث في حالة الفوز على أنجلترا.