نبينا محمد في عيون
يقول شاعر فرنسا "لامارتين" و هو يتكلم عن عظمة محمد فيقول :
( لم يحدث من قبل أن عهد الانسان, طوعا أو كرها بمثل هذه المهمة السامية,
فقد كانت المهمة فوق طاقة البشر, بها يقضي على الضلالات التي وقفت حائلا بين الانسان و الخالق,
و بها يصل الله بالانسان و الانسان بالله, و به يعيد لفكرة الألوهية رشلدها
و قدسيّتها وسط فوضى آلهة الأوثان الشوهاء التي كان القوم يعبدونها وقتئذ,
لم يحدث من قبل أن قام انسان بعمل يتعدى مقدور البشر بمثل هذه الوسائل الهزيلة,
ذلك لأنه اعتمد على نفسه كلية في تصور و تنفيذ مهمّته العظيمة, و لم يكن يساعده سوى حفنة من الرجال المؤمنين به في عذا الركن المجهول من الصحراء الشاسعة.
و أخيرا, فلم يحدث أن استطاع انسان من قبل أن يحقق مثل هذه الثورة الهائلة و الدائمة في العالم بأسره, لأنه بعد أقل من قرنين على ظهور الاسلام, كان بالايمان و السلاح يسيطر على كل جزيرة العرب,
ثم يغزو باسم الله بلاد فارس و خرسان و ما بين النهرين و الهند الغربية و سوريا و الحبشة
, و كل شمال أفريقيا و عددا من جزر البحر المتوسط, و اسبانيا و جزء من بلاد الغال (فرنسا).
فاذا اعتبرنا عظمة الهدف و ضآلة الوسائل و الانجاز المذهل معايير ثلاثة للعبقرية الانسانية,
فمن ذا الذي يجرؤ على مقارنة
أي من عظماء الرجال في التاريخ الحديث مع محمّد –
سلم - ؟ .
هؤلاء العظماء خلقوا السلاح أو القوانين الوضعية أو الامبراطوريات فقط,
لم يقيموا سوى هياكل مادية رأوها في معظم الأحيان تتهاوى أمام أنظارهم.
لكن هذا الرجل لم يحرّك الجيوش و القوانين و التشريعات و الامبراطورياتو الشعوب و المماليك وحدها, و لكنه حرّك معها ملايين الناس ممن كانوا يسكنون أكثر من ثلث العالم المأهول في ذلك الوقت,
بل و أكثر من ذلك حرك الأرباب و المقدسات و الأديان و الأفكار و المعتقدات و الأرواح,
على هدي الكتاب الذي تصبح كل آية من أياته قانونا ينظّم,
خلق أمة روحانية امتزجت فيها شعوب بأكملها من كل عرق و لون و لغة,
ترك فينا الخاصيّة التي لا تمحى للأمة الاسلامية ألا و هي كراهية الشرك بالله
, و عبادة الاله الواحد الأحد الذي لا تدركه الأبصار,
هكذا تميّز المؤمنون بمحمّد بالالتزام الشديد بالوقوف ضد الآلهة المزيفة
و الشرك الذي يدنّس السماء, كلن دخول ثلث سكان الأرض في دينه هو معجزته
أو على الأصح لا نقول بأنها كانت معجزة الرجل و انّما معجزة العقل.
فقد كانت فكرة الاله الواحد التي دعا اليها وسط أساطير و خرافات رسختها ممارسات الكهّان
و خدام الأوثان معجزة في حد ذاتها, استطاعت فور أن نطق بها أن تدمّر كل معابد الوثنية
و أن تضرم النار في ثلث العالم, ان حياته و تأملاته في الكون, و ثورته البطولة ضد الخرافات
و الضلالات في بلده, و جراءته على تحدي سخط الوثنيين,
و قوة تحمّله للأذى طوال خمسة عشر عاما في مكة,
و صبره على تعسف القوم و ازدرائهم حتى كاد أن يصبح ضحيتهم كل هذا
مع استمراره في نشر دعوته, و حربه ضد فساد الأخلاق و عادات الجاهلية,
و ايمانه العميق بالنجاح, و سكينته عند الشدائد, و تواضعه عند النصر
, و طموحه الذي كان مكرسا لفكرة واحدة لا سعيا وراء الجاه و السلطان,
و صلواته التي كانت لا تنقطع, و مناجاته لله, و موته و انتصاره الساحق بعد الموت,
تشهد جميعها بأننا لسنا أمام أفاك مدّع, و انما نحن أمام ايمان راسخ و اقتناع لا يتزعزع,
فقد أعطاه اعتناقه القوة ليقيم الدين, فبنى عقيدته على مبدأين أساسيين هما أن الله واحد,
و أنه غير محسوس ماديا, بالمبدأ الأول نعرف من هو الله , و الثاني ترتبط المعرفة بالغيب,
انه فيلسوف, خطيب, مشرّع, محارب, فاتح, مفكّر, رسول,
مؤسس دين عقلاني و عبادة بلا تماثيل أو أوثان, و زعيم عشرين امبراطورية أرضية,
بالاضافة الى الامبراطورية الروحية التي لا تحدها حدود, هذا هو محمد,
فاذا نظرنا في كل المعايير التي نقيس بها عظمة الانسان,
فلنسأل أنفسنا هل يوجد أعظم من محمد
سلّم؟)
من كتاب...محمد رسول الله
للشيخ عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحة