بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
إن الحاجة لتبادل العاطفة والحب والمودة هي من الحاجات الأساسية للذكر والأنثى، ولا تستقيم الحالة النفسية للإنسان إلا لما تلبى كل حاجاته الأساسية وعلى رأسها الحاجة العاطفية، قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم. إن السكن والمودة والرحمة فيما بين الزوجين هي الأعمدة والأركان الأساسية للحياة الزوجية العاطفية الناجحة، ولا تتحقق مع بعضها مجتمعةً إلا تحت ظلال شريعة الخالق جل وعلا وهدي نبيه محمد
سلم. والرغبة الجنسية بالمقابل هي أيضاً كالطعام والشراب لابد من إشباعها بالوسائل المشروعة حتى تتحقق حالة التوازن النفسي عند الإنسان.
أما العلاقات العاطفية المعنية هنا بأنها الفخ أو الشرك فهي تلك العلاقات العمياء التي لا تسير وفق منهج الشارع في ضبط التواصل ما بين الذكر والأنثى، وتُنسج حبائلها في الظلام بعيداً عن العرف وتحدياً لكل قوانين المجتمع.
وقبل أن نبدأ في تحليل الظاهرة لا بد من الإشارة لنقطتين...
النقطة الأولى ... لابد من إشباع الجانب العاطفي و الرغبة الجنسية بوسائل تبعد الإنسان عن حالة الصراع مع ضميره وقيمه ودينه، فحتى يبتعد الإنسان عن الشعور الحارق الطاعن بالذنب لابد ان يتحرى السبل السليمة الشرعية لإشباع عاطفته ورغباته الجنسية. هذا الأمر هام لتحقيق حالة النفس المطمئنة المستقرة الراضية لربها وفي نفس الوقت تحقق رغباتها وشهواتها وفق منهج خالقها دون أدنى شعورٍ بالذنب أو الكبت، قال تعالى: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) ) سورة الفجر
بل على العكس إن إشباع الحاجة العاطفية وتحقيق الرغبة الجنسية وفق شرع الإسلامي الحنيف هو عمل يؤجر عليه صاحبه، قال
سلم: ( وفي بُضْعِ أحدِكم صدقة ، قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدُنا شهوتَهُ ، ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه وِزْر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال ، كان له أجر ) أخرجه مسلم.
النقطة الثانية ... إن علاقة الطفل ومن ثم الشاب مع أبيه وأمه على السواء لابد ان تكون ذات عمق عاطفي وشخصي، بمعنى أن يكون والديه مصدر جيد وكافي للعاطفة والحب بحيث يشعر الابن بالأمن والحماية والمودة مع أبويه. وهذه النقطة في غاية الأهمية لموضوع العلاقات المحرّمة، لأن هذه العلاقات غالبا ما تُنسج وتُحاك حبالها في جو العلاقات الزوجية المضطربة ما بين الأبوين، أو أن يكون الأب أو الأم فاقدي دورهما ومكانتهما من حياة الشاب أو الشابة وعندها يعوّض الحبيب أو الحبيبة دور الأب أو الأم المفقود مما يسّهل عملية وقوع الشاب أو الشابة في (الفخ).
نتائج العلاقات المحرّمة على الجنسين:
- على الأنثى.. تختلف الأنثى عن الذكر بطغيان العاطفة على العقل ، فحينما تحب يصبح ذلك الرجل محور حياتها كلها ، وفقده يعني خسارة الحياة بأكملها ، وهذا يعني إذا تعلّقت الأنثى مع ذكر بعلاقة عاطفية غير ناضجة وليس بالمعلوم أتنتهي بزواج أم لا، ثم حدث الانفصال بسبب أن الذكر كان غير جاد أو غير قادر على الاستمرار معها ، نجم عندها معاناة نفسية شديدة الوطأة كبيرة الأثر، تتراوح ما بين الكآبة الشديدة إلى الحالات الذهانية و الوسواس وما إلى ذلك من الآلام النفسية المبرحة التي نصادفها في عياداتنا النفسية، والأهم من ذلك تأثر العلاقة مع الشريك الحقيقي الشرعي في المستقبل، بسبب أن قلبها لا يزال في شرك العلاقة القديمة الغير شرعية.
- على الذكر.. إذا دخل الذكر ذلك الفخ وكان غير مستعد ليدخل عش الزوجية الآمن، اضطربت حياته العملية وتأثر إنتاجه الأكاديمي والعملي، لأنه في مرحلة التأسيس ، مما أنتج عنه حالة عجزٍ وضعفٍ وما يليها من المثالب والمهالك المعروفة كاللجوء للمخدرات وغيرها من آفات الفراغ والعجز، وكذلك تأثر علاقته مع شريكة المستقبل الشرعية.
كيف يتحول الفخ الخطر إلى عشٍ آمــن ؟!
فحتى لا يقع الشاب أو الشابة في هذا الفخ؛ فخ العلاقات العاطفية، ولكي يحط الطير الشاب رحاله في عش الزوجية الآمن، أنصح من وجهةٍ نفسيةٍ بالقيام بما يلي:
1- الأسرة الحاضنة good enough Family : تقوية علاقة الأب والأم مع الشاب أو الشابة، بأن تكون علاقة ثقة بهم وبقدراتهم، بأن يشعر الابن أو الابنة أن والديهما مصدر جيد لكي يبوح بما يجول في خاطره من المشاعر و يروي ما يتعرّض له من خبرات حياتية. يجب أن تتحول العلاقة من علاقة سلطوية في الصغر إلى علاقة صداقة في مرحلة الشباب. ولابد من العناية بهذه العلاقة على الوجه الصحيح من مرحلة الطفولة المبكرة. ومن هنا يتعلم الطائر الصغير من أبويه ألا يقع في الفخ، وكيف يبني عشه الآمن.
2- الهدف المشرق Vision : بناء الشخصية القوية المتوازنة القادرة على الصمود أمام الفتن والأهواء العاصفة من خلال تربية متبصرة واعية. فلابد من صناعة رؤية مشرقة للشاب أو الشابة من الصغر وتقويتها وتوجيها ، حتى يكون له أو لها هدف كبير في هذه الحياة ومحبب للغاية بل معشوق يثبته فلا ينحرف عن الطريق، ويحقق من خلاله الهدف الأسمى الأعلى ألا وهو رضوان الله عز وجل. وبناء الرؤية والهدف عند أبنائنا يتم عن طريق العناية بمواهبهم وإبداعاتهم منذ سنوات الطفولة الأولى وترشيدها وتقويتها وتحميسهم المستمر عليها من قبل البيت والمدرسة على السواء، مما يبعدهم عن سلبيات الفراغ.
3- الاستقلالية Autonomy : التشجيع على فكرة الشاب المنتج عبر تنمية جانب الاستقلالية والقدرة على الاعتماد على النفس من خلال البيت والمدرسة، وذلك لكي يتم تأهيل الشاب أو الشابة للزواج المبكر، فنحن مع فكرة الزواج المبكر ولكن مع إعداد الشاب والشابة لتلك المهمة عبر ما سبق وعبر التثقيف بأبجديات التعامل فيما بين الجنسين.
4- ضبط الاختلاط : الاختلاط المضبوط فيما بين الجنسين كما جاء به الشارع الحكيم على لسان نبيه محمد
سلم، هو الدرع الواقي لكل المشاكل الناشئة بين الجنسين. والمبالغة في ضبط الاختلاط لدرجة المنع التام، وفي المقابل إطلاق الاختلاط بشكل كامل لدرجة الحرية الجنسية، هما طرفي العصا ومنتصفها هو الاختلاط المضبوط وفق الشرع..
5- تبسيط الزواج : تسهيل الزواج والعمل على إزالة العوائق والحواجز الاجتماعية والمادية لزواج الفتيات، وتبسيط مفهومه عبر وسائل الإعلام المختلفة، حتى يعلم كل المحبين أن لا أرض خصبة للحب مثل أرض الزواج يزرعوا فيها مشاعرهم لتؤتي ثمارها، ضمن علاقة شرعية على نور من الله وهدي نبيه محمد
سلم.